<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->
قابلت صحفية ألمانية تطوف بالشرق الأوسط في هذه الأيام، وكان أشد ما آثار اهتمامي في مختلف المواضيع التي طرقتها، حديثها عن المرأة العربية، ودهشتها المشوبة بالاستنكار، لما لمسته من اختلاط في أمورها، سواء أكان ذلك في مصر، أم في غيرها من البلاد التي زارتها.
وأذكر أنها سألتني في حيرة: كيف يمكنها أن تكتب عن شخصية المرأة العربية، وتصف الخصائص المميزة له، بعد أن أعيتها الحيل في العثور على شخصية أو مميزات: فالعربية تبدو أحيانا شرقية بمعنى الكلمة، ثم لا تلبث أن تراها في ظروف أخرى، وكأنها صورة طبق الأصل من الفرنسية أو الأمريكية أو الأسبانية أو الإيطالية؟ وتعتقد السيدة الألمانية أن هذا التباين الواضح، والتغير المستمر، يحرم العربية من الطابع المفرد، الذي تستطيع أن تعرف به من أخواتها في البلاد الأخرى، وفي ذلك ما فيه من أضعاف لكيانها القومي المستقل في محيط العالم الجامع لكيانات قومية متعددة.
وقد بدأ لي حديثها في بادئ الأمر عجيبا، فلما أنعمت التفكير فيه، أقتنعت بأنها على حق فيما تقول، ولو طرحنا الموضوع على بساط البحث، دون تحيز أو تحزب،ما وجدنا أمامنا إلا الصورة التي رسمتها الصحفية الألمانية بمنتهى الصدق والدقة... فالعربية اليوم، ليست وحدة قائمة بذاتها، تحددها- كما تحدد غيرها من نساء الدول الأخرى- خصائص ومميزات تؤلف شخصية مستقلة واضحة... ويوجد في البلد الواحد أكثر من فئة لا أوصافها الخاصة، ففي مصر- مثلا- بنت الريف ذات الطابع الأصيل، وبنت الأقاليم ذات الحضارة المصبوغة بالاقتباس، وبنت المدينة ذات الروح الغربي البحت، أو الغربي في ظاهره دون باطنه... وبين أولئك جميعهن يحتار الباحث في شأن المصرية، ولا يعرف أيهن أقرب إلى تمثيل المصرية، التي تصور حياة مصر في وقتها الحاضر.
وما نراه في مصر، يسري على غيرها من الدول العربية الناهضة، فهذا التعدد موفور في كثير من البلاد الأخرى، والتباين ملحوظ حيث يجتمع القديم بالجديد في صعيد واحد. ولكنه ليس أمرا مستغربا، فهذا العهد الذي مر به، هو أخطر مراحل التطور في تاريخنا، والصراع على أشده بين تقاليد الشرق الراسخة منذ الأزل، وحضارة الغرب التي تطغى علينا رغم إرادتنا، فتجرفنا معها إلى صور وأوضاع غير التي أصطلحنا عليها. وإلى أن تنتهي المعركة بسلام، وينتصر طرف على طرف، لا ينتظر أن تكون للعربية شخصية معينة، أو يستقر أمرها على حال دائم.
وإذا وازنا بين فوائد تمسكنا بأهداب شرقيتنا المطلقة، وما نجنيه من خيرات الحضارة الغربية الزاحفة علينا، نجد واضحا أمامنا، إننا نكسب كثيرا بمسايرة الروح الذي يأتينا من بلاد سبقتنا علما وفنا وحرية وتجربة وليس من صالحنا أن نولي ظهورنا للغرب، أو نقاوم أثره خشية أن نضر بجوهر حياتنا أو تفاصيلها فقد تقدم الغرب بفضل حضارته، ولا مفر من أن نأخذ بأسباب هذه الحضارة، إذا كنا نريد أن نصل إلى ما وصل إليه.
ولكن واجب العربية أن تذكر الشخصية المميزة، وتؤمن بألا وجود لها دون طابع متين تعرف به في المعرض البشري العالمي أما أن تصبح نسخة طبق الأصل من غيرها، فقضاء على كيانها القومي، الذي يقرر استقلالها ومكانتها، ويعطيها صفة محترمة مفردة. وتكوين الشخصية المستقلة مهمة شاقة، ولكنها ضرورة لا غنى عنها، فعلىالمصلحات الاجتماعيات أن يرسمن لنا هيكلا لما نحب أن تكون عليه العربية في أحسن صورها، ثم يخلصن في الدعوة إلى تحقيقه، مستعينات في ذلك ببرامج التعليم ووسائل التربية
ساحة النقاش