تبدو ملامح مصر في أعمال الرائد محمود سعيد «1897 - 1964» .. خاشعة مثل لوحة «الصلاة».. وتراها ممتلئة بالخصوبة وقوة الحياة صداحة باللون ومعمارية البناء كما في لوحته الصرحية الضخمة «المدينة» والتي جسدت عبقرية الزمان والمكان ببنائها الذي يشدو بجمال التكوين وترابط الوحدات.. ومضمونها الرمزي الذي يجسد ثنائية الروح والجسد مع عناصرها العديدة .. بنات بحري بملامح السحر والنيل الساري والمراكب الشراعية وبائع العرقسوس ومسجد محمد علي وحاملات الجرار وراكب الحمار .. وهي أيضا مسكونة بالحزن والشجن كما في لوحاته للمقابر.

وتعد أعماله حاليا الأعلى سعرا فى الوطن العربى .. فقد بيعت لوحته الشادوف فى مزاد بقاعة «كريستى» بدبى بقيمة «4،2 مليون دولار» والتى أبدعها عام 1934 .. كما بيعت أخيرا منذ أيام لوحته «الدراويش - 1929» بأكثر من 5،2 مليون دولار .. ذلك لأن لوحاته تعبر عن الروح المصرية كما تتميز بسحر خاص .

هو وخمسة فنانين

ولقد جاء المعرض الذى أقيم بقاعة اكسترا على نيل الزمالك بمشاركة 4 من أساتذة الفنون مع الفنان مينا صاروفيم المستشار الدائم للمجلس الدولى للمتاحف بمثابة تحية وتقدير للرائد الكبير حيث عرضت ثلاث لوحات له كضيف شرف .

شارك بالمعرض إثنان من أساتذة الفنون الجميلة : الفنان أحمد نوار والفنان رضا عبدالسلام مع اثنين من أساتذة التربية الفنية : الفنان مصطفى الرزاز والفنان أحمد عبدالكريم .. فجاء أشبه بحوار تشكيلى بين الأساتذة هنا وهناك .. وفى نفس الوقت تأكيدا على تواصل الأجيال.

- وتمتد تجربة الفنان أحمد نوار بالعمق والتنوع والثراء .. تتميز بأحكام الأداء .. ورهافة التشكيل وقوة التعبير .. وهو ينتقل فى أعماله من حاله إلى حالة مع الوسائط المتعددة.. والمزج بين الإيقاع الهندسى والكائن العضوى الذى يسبح فى الفضاء التصويرى .. يكاد يتخلص من أثر الجاذبية الأرضية يحلق فى آفاق الكون.. وفى احدى اللوحات يعرض الفنان الأسطورة الانتصار بأكتوبر العظيم .. من خلال إشارات ورموز .. تمتد فى ثلاثة أسهم رمزا للعلم المصرى .. وتنبعث من هذا الكائن الذى يتشكل بهيئة القلب الإنسانى مع مجموعة من السطوح المتنوعة .. خارجة من السطح الأزرق والذى يمثل سماء مصر .. سماء من السطوع .

وتجمع أعمال الفنان مصطفى الرزازبين التعبيرية والرمزية بتلك العناصر التى أصبحت علامة على فنه من الحصان والطائر .. والوجه الإنسانى الذى يبدو عادة فى إيقاع جانبى «بروفيل» بعين لوزية مسحوبة .. وتتداخل العناصر وتتوحد فى ايقاع غنائى بألوان غاية فى الرصانة .. وما أجمل لوحته الشعبية والتى تصور عنتر ابن شداد على حصانه.. وهى مسكونة بالنقوش والتداعيات الزخرفية.. غارقة فى الأسود الابنوسى.. فى ايقاع تعبيرى جديد يخرج الصور الشعبية التى تناولت الفارس العربى .

البشارة

وتمثل أعمال الفنان رضا عبدالسلام عمق النزعة التعبيرية بتلك الصور الشخصية «البورتريه» والتى تصور وجوها .. تتجاوز الاتجاه الواقعى إلى دنيا من المشاعر والأحاسيس .. كل وجه مساحة وكل مساحة تعبير وكل تعبير يأخذنا إلى حالة درامية مثل هذا الوجه الذى يصور رجلا بالأصفر الأوكر وعيون زرقاء .. فى ملامس خشنة .. تجسد قوة الشخصية وصلابتها .. والعينان تحلقان فيما وراء الاشياء .. ولقد امتدت وجوه رضا عبدالسلام بالتنوع حتى انه صور باحساسه امرأة بالنقاب .. بمعنى آخر صور النقاب كحالة اجتماعية.. وظاهرة .. بدأت تظهر .. وكأنه يثير تساؤلات .. وإلى أى حد سوف تصل بنا الأشياء ؟!

أما أعمال الفنان أحمد عبدالكريم .. فتطل بألوان مشرقة هادئة تتدرج كأنغام السلم الموسيقى .. وهى مسكونة بكثافة من النقوش .. وفى بعض الاحيان تبدو فى ألوان صريحة.. حيث يطل الهدهد المسالم مع مركب أو معدية كما يطلق عليها الفنان.. فى رحلة يجتاز فيها البحار.. والفيافى .. وعناصره عموما تتميز بتعبيرية طفولية.. تنساب بالأسماك والأوراق النباتية والمراكب والنخيل فى أطياف هامسة ناعسة .. يغلب عليها الأزرق التركوازى والاخضر الداكن ..

وجاءت أعمال الفنان مينا صاروفيم فى ايقاع هندسى .. بلغة جديدة .. لغة بصرية معاصرة تتواصل مع روح المشربية المصرية .. ولكن تخرج عليها فى ألوان هامسة.. بين الاحمر والأزرق الهادى والأبيض.. وتجريداته عموما تمتد من التجريد الخالص إلى التجريد الذى يهتف بأسرار اللغة التى تكاد تنطق .. أشبه بالتراتيل مثل لفظ الجلالة .

وهو فى هذا المعرض يقدم تجربة تعد الأولى من نوعها .. فهو يقدم اللوحة المزودجة والتى نراها من الجانبين .. وهى هنا لا تبدو معلقة ولكن تبدو واقفة على حامل حتى يمكن رؤيتها من الجهتين .

وهناك ثلاثة لوحات لضيف الشرف الفنان الكبير محمود سعيد والذى يعد من الرواد الأوائل .. بل والأكثر تجاوزا للأشكال المألوفة والمتعارف عليها .. وقد عرض له بورتريه أو صورة شخصية للسيدة والدة الفنان مينا صاروفيم وهى لوحة تألقت بسحر خاص حيث رسم فيها الجلال والأناقة والحس الصوفى .. كما عرضت لوحته «منظر من مرسى مطروح» صور فيها ثلاثية من النخيل والبحر والبيوت .. وقد جاءت لوحته البشارة «صورة شخصية» لامرأة حامة بعصابة بيضاء على الرأس ورداء من الأخضر الفاتح .. مع وردة حمراء على الصدر.. وينساب شعرها منطلقا على الكتفين.. وهى تمثل صورة للجمال الفطرى الطبيعى الروح الغالبة عليها حالة من الغموض رغم النظرة التى تحلق بعيدا .. فى انتظار البشارة.. وظهور الوليد إلى الحياة .

تلك كانت ملامح سريعة لمعرض ضم أعمال خمسة فنانين كبار مع الرائد الكبير محمود سعيد صاحب بنات بحرى .

تحية إلى لمسة تألقت بالنور والبهاء .. تواصل فيها أجيال الفن.

 

 

المصدر: صلاح بيصار - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,254,890

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز