كم عمرك الان؟ اذا كنت فى حدود الثلاثين فلابد أنك تلاحظين اختفاء عشرات من الاسماء النسائية التى كانت محور أهتمام أقلام الصحفيين و عدسات المصورين منذ أثنى عشر عاما فقط! الوقت ليس بعيدا فى الواقع،و مع ذلك فهذه الاسماء التى لمعت،و التى حصلت صاحباتها على لقب (سيدات المجتمع) لم يعد لها وجود الان.. سواء على صفحات الجرائد أو فى ذاكرة الناس و قبل هذه السنوات.. وقت أن كان لمجتمعنا وجه ملئ البقع، كان هناك من يكتب ليحرق البخور لحفنة ممطرة من الاميرات و الوصيفات و سيدات الطبقة الاستقراطية ممن يملكن المال و الفراغ و النفوذ،و كانت كل منهن مطمئنة تماما الى أن نشاطها فى مجال الخدمة العامة هو الذى أعطاها لقب (سيدة المجتمع) – حتى و لو كان هذا النشاط لا يخرج من مجرد اقامة الحفلات الراقصة و السهرات الصاخبة باسم العمل لصالح الجمعيات الخيرية و النهضة النسائية!!.

    و الان ماذا نرى و قد أصبح للمجتمع وجه جديد ناضر صنعته ثورة معجزة و تحول اشتراكى عظيم؟ بالنسبة للمرأة لم يعد هناك من يستطيع أن يكتب عن التطور الحضارى فى بلادنا و يقصر حديثه على الرجل أو على عدد محدود من النساء البارزات. و السبب هو أن (حواء) الحديثة، قد مستها روح الثورة على نطاق واسع،و انطلقت بكل وعيها و حماستها تشارك فى البناء و تشارك فى المعركة،و على هذا فقد تحولت المئات منهن مع التغيير الثورى الى (سيدات مجتمع) من نوع جديد، فقد تغير أيضا مفهوم هذه الكلمة،و أصبح لهذه السيدة ملامح خاصة تختلف كثيرا عن ملامح (الفرقة الاستعراضية المعطرة) التى اختفت من حياتنا فى السنوات الاخيرة

الحساسية الاجتماعية
و السؤال هو: (من سيدة المجتمع الجديد؟).. و هل تحصل على هذا اللقب كل من تعيش فى دائة الضوء بحكم عملها أو بحكم نجاحها فى الداعبة لنفسها؟ و تظل بعيدة عن هذه التسمية كل من تعيش فى دائرة الظل... تعمل فى صمت و تسهم فى دفع عجلة التطور دون أن يهمها كثيرا أن يعرفها الناس أو لا يعرفوها؟ الجواب ليس صعبا،و ليس سهلا أيضا،و كل من أشركتهم من رجال الفكر و الاجتماع فى تحديد ملامح هذه السيدة.. أقصد سيدة المجتمع الجديد، فكروا طويلا قبل أن يتكلموا،و ترددوا أكثر من مرة عندما طالبتهمباختيار بضعة اسماء تعيش صاحباتها بيننا الان و تصلح كل منهن لان تكون سيدة المجتمع...

    الدكتور (مصطفى الخشاب) أستاذ على الاجتماع بجامعة القاهرة بدأ حديثة قائلا:
    -هل تريدنى أن أضع لك شروطا يجب توفرها فى هذه السيدة؟
قل أن أجيب أستطرد قائلا:
    -أن هذا متعذر بالطبع فلا يمكن أن تجتمع أحدى اللجان مثلا و تضع (مواصفات عامة) لسيدة المجتمع فى فترة تاريخية معينة،و لكننى أستطيع من وجهة نظرى الخاصة أن أشترط فى هذه السيدة صفتين أساسيتين.. الاولى منهما أن تكون عاملة فى ميدان من ميادين الخدمة العامة، اى أن تفرض عليها طبيعة عملها الاتصال بأكبر عدد من الناس،و التعامل مع مختلف الهيئات و القيادات من أجل تحقيق (نصر انسانى) بين الحين و الاخر. فهذا النوع من النساء العاملات  يلعب دورا هاما فى تقدم المجتمع و تطويره، نظرا لتأثيره المباشر على ضمائر المواطنين و عقولهم. و ثانيتهما أن تكون هذه السيدة العاملة تمتلك مانسميه (بالحس الاجتماعى)، فليست كل من خرجت الى العمل يكون لديها الأستعداد للاهتمام بمشاكل الاخرين.. أنها تتأثر حقا بمدد من الناس و تؤثر فيهم،و لكن تلك التى تزداد لديها درجة (الحساسية الاجتماعية)، هى وحدها التى تستطيع أن توجه و أن تقود، لإنها قادرة دائما على تقديم الخدمات و لو على حساب وقتها و صحتها و مصلحتها الخاصة..

    و طلبت من (الدكتور مصطفى الخشاب) أن يحدد لى بعض الاسماء التى تنطبق عليها هذه الشروط، فقال ضاحكا:
    -أعفنى من هذه المهمة الحرجة، فذهنى لا يستوعب كل الاسماء التى تنطبق عليها خصائص سيدة المجتمع...
قلت: مثلا..
قال:
    -أستطيع أن أبدأ بالكاتبة الصحفية.. خذ مثلا (أمينة السعيد)،و أن كنت أعتقد أنها لن تمكنك من نشر أسمها تواضعا و خجلا..
قلت:
    -هذا اذا وقع الموضوع فى يدها،و لكن هل هناك أسماء أخرى؟
قال:
    -أمال فهى تعجبنى أيضا...أنها سيدة مجتمع من طراز جديد فذكاؤها الاجتماعى خطير،و لكنه لم يبق معطلا، فقد استطاعت أن تضمه باخلاص و صدق فى خدمة أكبر عدد من المواطنين على اخترف أنواعهم و مستوياتهم،و أنها لم تكن لتؤثر فى جمهور المستمعين على  هذا النطاق الواسع لو كانت تنقصها (الحاسة الاجتماعية) التى حدثتك عنها...

ثلاث سيدات وقورات:
    و تركت (أستاذ علم الاجتماع) و ذهبت أطرق باب الاستاذ (عبده جبران) مدير الخدمات بمنطقة شرق القاهرة. كان غارقا فى مناقشات مع بعض نظار و ناظرات المدارس الثانوية حول نظام العمل فى فصول الاتحاد الاشتراكى... توقف الحديث بينهم لحظات فأسرعت أقول له:
    -سؤال خاطف من فضلك...
    من هى سيدة المجتمع الذى نعيش فيه الان؟
قال مبتسما و هو يشير الى ثلاث سيدات وقورات:
    -كل واحدة من هؤلاء ناظرة لمدرسة ثانوية،و يمكنك أن تمنحها هذا اللقب بكل بساطة،و السبب هو أنها تسهم بنصيب كبير فى تخريج مئات من الفتيات المتسلحات بالعلم و الفضلة كل عام،و هى مسئولة عن مشاكل مالا يقل من ألف فتاة يطرقن ابواب مدرستها مع بداية كل سنة،و بعد ذلك فأن عليها أن تتفاهم مع اولياء الامور و تبحث شكاواهم و ترضيهم بقدر الامكان و تضع يدها فى ايديهم من أجل تربية الجيل الجديد من أمهات المستقبل و نصف الايدى العاملة، فماذا تريد أكثر من ذلك؟

قلت:
    -لاشئ بالطبع، فهذا منطق سليم الى حد كبير،و لكننى أريد تعريفا محددا لسيدة المجتمع فى هذه الفترة من حياتنا...
قال:
    -أنها كل سيدة تقوم بخدمة عامة على مستوى جماهيرى مناسب، فالمشرفة الاجتماعية الناجحة، و الصحفية المخلصة لرسالتها،و صاحبة البرنامج التليفزيونى الهادف،و كما قلت لك ناظرة المدرسة، و رئيسة الجمعية الخيرية التى لا تبحث عن الشهرة بقدر ما تبحث عن النجاح لمشروعها.. كل هؤلاء فى نظرى سيدات مجتمع من الطراز الاول....

قلت:
    -هل أستطيع أن أحصل على أسماء معينة؟
و بنفس الابتسامة قال:
    -لقد أعطيت تعريفا لسيدة الجتمع على نطاق واسع،و معنى ذلك أننى قد أذكر حوالى مائة اسم أو أكثر، فهل تعفينى من هذه المهمة الصعبة؟!

كل مؤهلاتها!!
    و غادرت مكتب الاستاذ (عبدة جبران) لابحث فى دار (روز يوسف) عن زميلنا الفيلسوف الساخر (مصطفى محمود) هو مش صاحب (الزلزال) و يوميات (نص الليل) رأسه،و نظر الى الارض قليلا ثم قال:
    -هذا موضوع كبير.. كبير جدا،و يمكننى أن أكتب عنه دراسة تستغرق صفحات كتاب بأكمله..
قلت:
    -أريد بضعة أسطر.
قال:
    -أستطيع القول بأن سيدة مجتمع ما قبل الثورة كانت تمثلها امرأة شيك، جميلة، فارعة القوام. غادة، تتردد على الكوافير بانتظام،و تنتقل بين بيوت الازياء،و كل مؤهلاتها أنها قادرة على التحدث لاطول فترة ممكنة،و قادرة على الانفاق و ليست قادرة على الكسب. أما سيدة المجتمع المعاصر فقد أصبحت محدودة الملامح بحكم أفساح المجال  أمام المرأة للبحث من مكان لها تحت شمس جمهوريتنا.. أنها السيدة المنتجة غير المستهلكة، بمعنى أنها  تتحول الى قوة مؤثرة فى نمو المجتمع الاقتصادى الى جانب نموه البشرى...

    و صمت (الدكتور مصطفى) قليلا، وراح يفكر من جديد، ثم أستأنف حديثة قائلا:
    -أن كلمة منتجة تشمل أى نوع من المرأة العاملة، حتى و لو كانت (ربة بيت) تعمل بالقطعة لحساب أحد محلات الملابس الجاهزة...
    -و لكنك بهذا التفسير البسيط تكون قد منحت لقب (سيدة المجتمع) لحوالى نصف مليون من بنات حواء العاملات فى بلادنا...

    و أطلق (مصطفى محمود) ضحكته العالية المشهورة،و قال:
    -و من قال لك أننى أعتبر كل حواء عاملة (أنسانة منتجة).
    أن اللاتى يعملن و ينتجن بطريقة تدفع المجتمع الى الأمام، لسن كثيرات جدا كما تتصور،و لذلك فأن كل امرأة من هذا النوع تستحق عن جدارة لقب (سيدة المجتمع)، فما رأيك؟

    -رايى ان أضيق  عليك الخناق و أطالبك بذكر عشرة أسماء على سبيل...

قال:
    -مثلا.. لو كانت المرحومة (فاطمة اليوسف) بيننا الان لمرشحتها للحصول على لقب (سيدة المجتمع رقم (1)،و عندك أيضا أم كلثوم و أمال فهمى و فاتن حمامة و ليلى دوس،و عدد محدود من الكاتبات المصريات اللواتى يتحملن مسئولية التوجيه و القيادة الفكرية،و أعفنى من ذكر الاسماء حتى لا أنهم بالدعاية لزميلاتى فى بلاط صاحبة الجلالة...

لم أفكر فى نفسى:
    ترى ماذا تقول السيدة التى تعودت أن تقول؟ ذهبت اليها.. الى مكتب (الست المديرة) فى أذاعة الشرق الاوسط... قلت لامال فهمى:
    -هل تعتقدين انك (سيدة مجتمع) ناجحة؟
   و يبدو أنها فوجئت بالسؤال، فقد قالت فى لباقتها المعهودة:
    -هكذا...مرة واحد؟!
قلت:
    -البعض يقولون انك جديرة بهذا اللقب،و السبب هو أنك تتميزين بحاسة أجتماعية تفتقر اليها الكثيرات من (بنات حواء) العاملات،و أنك أحسنت استغلال هذه الحاسة على مستوى جماهيرى و أبتسمت (آمال فهمى) و قالت بنفس اللباقة أيضا:

    -هذا تكريم لا أستحقه..
قلت:
    -ماعلينا.. هل تشتركين معنا فى تحديد ملامح هذه السيدة؟
قالت صاحبة برنامج (على الناصية) بسرعة:
     -أنها سيدة عاملة فى أى ميدان من ميادين الخدمة العامة، و لكنها تتميز  عن الأخريات برغبة أصيلة فى العمل على أن تكون مفيدة لاكبر عدد من المواطنين.و لذلك فهى تتجه داما الى توسيع نطاق خدماتها بقدر ما تسمح لها الامكانيات و السلطات المعطاة لها.و من تحت أيدى هذا النوع من السيدات، خرجت مشروعات أجتماعية و خيرية كثيرة الى النور.. مشروعات بدأت صغيرة هزيلة حقا،و لكنها كبرت و انتشرت عندما احتضنتها الدولة.و هذه السيدة تتميز عن الاخريات أيضا باستثمار لمدة العمل دون أن تشكو أو تمل،و بقدرتها على تقبل النقد بفهم عميق و روح طيبة...

قلت:
    -هل تنطبق هذه الكلمات – فى نظرك – على شخصيات نسائية تعيش بيننا الان؟
قالت:   
    -بالطبع،و لكنهن لن كثيرات...
    -أريد عددا من الاسماء... غير أسمك بالطبع...

و ضحكت قائلة:
    -لم أفكر فى نفسى على الاطلاق،و لكن أسم (أم كلثوم) هو الذى قفز الى ذهنى منذ لحظات...
    -لانك تحبين صوتها؟
    -بل لانها (سيدة مجتمع) من طراز نادر...
    - وغيرها؟
    -أمينة السعيد،و المرحومة أمينة شكرى،و ليلى دوس،و.. و يكفى هذا..

    و تركت (الست المديرة) و أنا أستعيد فى ذهنى كل الاجابات التى أستمعت اليها،و كل الاسماء التى ذكرت فى حرص شديد،و عدت أسأل نفسى (من هى سيدة المجتمع الجديد). الاجابة ليست سهلة،و ليست صعبة أيضا،ولا أملك – كصحفى – أن أحددها، أو أن أختار بضمة شروط تنطبق على هذه السيدة و أضعها فى قائمة لا يجوز الخروج عليها،و لكن القارئات و القراء يملكون أن يقرأوا هذا الموضوع مرة ثانية،و يحددوا فى اذهانهم ملامح (سيدة المجتمع) و نحن نقيم البناء الاشتراكى العظيم.

المصدر: مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,783,693

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز