فى دراما الثورات .. الثائرات مظلومات

كتبت :منال عثمان

عرفنا منذ زمن بعيد أن الفن مرآة الشعوب.. رصد كامل الهيئة والبنية لحال المراحل التاريخية التى يمر بها الوطن العربى الذى جعله الموقع والإستراتيجية والكنوز المخبأة بين أوداجه مطمعاً دائماً لكل الأفواه الشرسة حوله الجاهزة فى أية لحظة للاحتلال وفرض السيطرة المخططة للاستيلاء على كل شىء.. خلاصة القول التهامه بكنوزه.. وقد أوضحت لنا الأيام أنه ليس مطمعاً فقط لأصحاب الياقات المرفوعة والدماء الزرقاء بل من الممكن أن يكون أيضا لمن يجلس على العرش ويملك قدر الطمع ضعف إنسانى غريب يجعله يشارك فى التهامه بل قد يكون صاحب الدعوة.. والتاريخ أورد لنا من هذه الأسماء الملوثة كثيرين ll

وبين دفتى الكتاب الفنى - الحقيقة -العديد من الأعمال السينمائية التى أوضحت كفاح الشعوب للحصول على الحرية وسلطت الأضواء بشكل مكثف على الثائرين الذين ضحوا بالروح والدم فى سبيل حرية أوطانهم.. فلا يمكن أن يخبو من الذاكرة (إبراهيم حمدى) بطل (فى بيتنا رجل) الثائر الذى يضع روحه على كفه من أجل بلاده أو (فهمى) بطل ثلاثية نجيب محفوظ الذى يلقى حتفه برصاصة قذرة فى مظاهرات ثورة 19 أو «أحمد» الضابط الذى يفقد ذراعه من الأسلحة الفاسدة فى «الله معنا» فيكون خلية ثورية مع ابنة عمه وآخرين، وتندلع ثورة 52، أو الثائرون الشباب الذين يعملون عقولهم من أجل إظهار حقيقة المستعمر وحقيقة خضوع منافذ الحكم لمطالبه وعلى رأسهم رئيس البوليس السياسى فى رائعة كمال الشيخ (غروب وشروق) .. الثائرون على الشاشة كانوا كُثر فُردت لهم المساحات السينمائية القوية ونسجت القرائح الأدبية العظيمة فى هذه الآونة أجمل حكايا الكفاح والثورة ضد المحتل والطامع لكن حقيقة الأمر أن فى كل مرحلة تاريخية رصدتها السينما لم يكن الثائر وحده فى الميدان ،لم يسمع العالم صرخته وحده.. ولم يتلق وحده رصاص الغدر ولم تحصل الأوطان العربية على حريتها واستقلالها فى هذا الوقت على أشلائه وحده لو كان استشهد، بل كان للمرأة الثائرة دورها الفعال القوى الذى لا أجد مناصاً أو غضاضة فى أن أقول أن غازلى دانتيللا الدراما الثورية - إن صح التعبير - أبخسوها حقها.، فهناك ثائرات بلا عدد تقدمن الصفوف جنبا إلى جنب الثائرين .. بل منهن من دفعن ثمن الحرية على مدى الحقب الزمنية ولم نخرج من كل هذا النضال إلا بجميلة لم تعكس مرآة الفن بشكل حقيقى ومتقن إلا نضال الثائرة والمناضلة الجزائرية (جميلة بوحريد) الفيلم الذى قدمته ماجدة بطولة وإنتاجاً سنة 1958 وأخرجه شاهين رحمه الله وكان معها كل عمالقة سينما هذه الأيام..رصدوا كفاح «جميلة» من أجل استقلال بلادها.. أورودا لنا كم تعذبت وأهينت وسحقت سحقاً من أجل مبدئها وعشقها لوطنها لدرجة أن المحامى الفرنسى تعاطف معها ،وإلى الآن يزهون بجميلة وكأنهم يقولون يكفيكم هذا الفيلم.. مع أن هناك «جميلات» كثيرات فى شتى بقاع الوطن العربى كان لهن كفاحهن وكن يستحققن شرائط سينمائية عديدة تظهر كفاحهن .

لكن الأفلام أظهرت على استحياء وبدون بُعد درامى مدقق أو خط درامى عميق المرأة الثائرة ،يجوز كاتبو روايات هذه الأفلام لم يعطوا الخط النسائى الثائر مدى وعمقاً كبيرين بما أن هذه الأعمال على الأغلب كانت مأخوذة عن أعمال أدبية.. فدائما ثورية المرأة كانت نابعة من ارتباطها بقصة ما مع الرجل الثائر الذى هو الوتد الأول أو حتى الأوحد للرواية ،فنجد مثلا فى (بين القصرين) «مريم» التى لعبت دورها زيزى البدراوى تلتحم بشكل ما مع الثائر «فهمى» المنضم لخلية وطنية تناضل من أجل إجلاء الاحتلال الإنجليزى عن الوطن سنة 1919 وتخرج فى المظاهرات بل وتقود المظاهرة النسائية وهن يرتدين (اليشمك) ويموت فهمى بين يديها قبل هذا المشهد لم يكن هناك رؤية واضحة لموقف «مريم» الوطنى كانت فقط دائما على السطوح تنتظر ثائرها حتى يعود.. بل كانت أحيانا تأخذ الحلوى من الإنجليز (المعسكرين) تحت البيت يعنى الثائرة مريم لم تقدم بشكل مخدوم فى هذا العمل . مثلها مثل (فوزية) بطلة (لا وقت للحب) للراحل يوسف إدريس المدرسة ابنة الرجل البسيط الفخور بأن سعد زغلول وضع يده على كتفه مرة وهو يلقى خطبة وطنية يعنى خط وطنى كان من الممكن تنميته لكن «فوزية» لم تستيقظ فيها روح الثورة إلا عندما التقت بالثائر «حمزة» الذى يحاول أن يفعل هو ورفاقه شيئا من أجل وطن غال ولأنها تحبه تقترب من هذه الأجواء ويكون لها دورها الشديد الخطورة فى نقل الأسلحة حتى لطيفة الزيات عندما قدمت فيلم (الباب المفتوح) أظهرت بطلتها «ليلى» التى لعبتها فاتن حمامة فى ثوب خاضع للغاية فهى طبيعتها ثائرة تحلم بالحرية للوطن ولنفهسا وعندما تشارك فى المظاهرات تتلقى صفعة من والدها تجعلها تلغى الفكرة وتكتفى بأن تتابع شقيقها ورفاقه الباحثين عن حرية الوطن وتنشغل هى بخصوصيتها من خيانة ابن خالتها لصرامة خطيبها أستاذ الجامعة لدقات حب لصديق شقيقها الثائر الذى يوقظ فيها ثوريتها فتلقى خاتم خطبة أستاذ الجامعة وتلحق بقطار الحبيب ليلتحقا بالفدائيين أثناء العدوان الثلاثى .. إنها ثورية متأخرة جدا لكن الكاتبة لم يكن هذا خطها الذى تناولته بل كان خطا فرعيا فى الرواية.

حتى زوجة الوزير التى تتعاطف مع الثائر «محمد» فى رواية مصطفى أمين (سنة أولى حب) الذى يلقى الأمرين من أجل حرية وطنه كانت تبحث عن ترطيب جفاء عاطفتها نحوه فقط وليس موقف ثورى من أجل الوطن. وحتى عندما أملنا خيرا وقدم عاطف سالم الراحلة مديحة كامل فى دور الطالبة الثائرة من أجل الوطن التى تشارك فى المظاهرات - مظاهرات الطلبة- ولا تقبل بالكمون والاستكانة فى فيلم (العرافة) ويقبض عليها مرة واثنتين ينحرف الخط الدرامى فجأة إلى قصة حب بينها وبين الضابط المكلف بترحيلها وتتزوجه وتنسى صرخاتها من أجل حرية الوطن .

فى حين عندما تصدت القديرة «إنعام محمد على» لهذه النوعية من الدراما فى التليفزيون قدمتها بروعة شديدة فى تمثيلية (دولت فهمى التى لم يعرفها أحد) رصدت دور مدرسة وطنية تعشق تراب الوطن مقسومة الفؤاد حزنا على وطن محتل فتفعل المستحيل من أجله.. تخرج فى المظاهرات وتشترك فى الخلايا السرية.. تنقل المعلومات رغم الخطورة وفى النهاية تلقى حتفها ولعبت الدور المبدعة (سوسن بدر) لكن هذا العمل لم يعرض إلا مرة أو اثنتين ولعله تلف فى الأراج المنسية ولم يقدمه التييفزيون بعد ذلك رغم روعته ولأنها إنعام الفريدة العشق لهذا الوطن مخرجته خرج العمل بهذه الكيفية ولأنه يسرد ثورة امرأة وماذا فعلت وضع فى هذه الأدراج لتظل الدراما فى الوطن العربى أو مصر بشكل خاص متهمة بأنها على مدى الحقب المتتابعة لم تعط المرأة الثائرة حقها على الشاشة .. رغم أنها كانت صوتاً بيناً واضحاً، وجداناً رفض الاستكانة والخضوع فهى لم تكن مثل حميدة بطلة (زقاق المدق) التى تغنى «لجونى» ولا مبروكة بطلة (الرجل الذى فقد ظله) تخدم الثوار ولا تحمل كيانا ثوريا .. بل كانت مثل (دولت فهمى) الثائرة الرائعة ومثلها أيضا لم يعرفها أحد

المصدر: مجلة حواء -منال عثمان
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 760 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,824,620

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز