الأرض بتتكلم ثورة

كتب :محمد الحمامصي

كلنا بحاجة لثورة لإصلاح ما فسد داخلنا وما أفسدناه حولنا بفسادنا، كلنا بحاجة إلى ثورة أو انقلاب داخلي ينفض عنا ما لوثتنا به الأخطاء، أخطاؤنا، الثورة يجب أن نبدأ إطلاقها من أنفسنا.

لنكن صادقين مع أنفسنا: هل كان النظام السابق وحده الفاسد، ألم نشارك في فساده، ألم نتستر على جرائمه وسرقاته، من أكبرنا إلى أصغرنا، من الفقير إلى الغني؟ من العالم إلى الجاهل، ألم نسايره ونسانده وندعمه بتخلينا عن القيم والمبادئ الأصيلة والحضارية لمصر العظيمة.

على سبيل المثال لا الحصر: ألم يتخل كثير من المدرسين عن أن يكونوا آباء ومعلمين لطلابهم وتحولوا إلى لصوص لأسرهم من خلال الدروس الخصوصية، ألم يتخل كثير من الأطباء عن أن يكونوا حكماء ورحماء لمرضاهم وتحولوا إلى جزارين ومقاولين، ألم يزوّر كثير من المهندسين في تصميمات ومتطلبات البناء لتسقط العمارات على أهلها، ألم يفقد سياسيون وإعلاميون وصحفيون ضمائرهم وتحولوا إلى منافقين ومزورين للحقائق، ألم يسقط الكثير من المثقفين والكتاب والمفكرين في الكذب بحثا عن مكاسب رخيصة، ألم يستغل مسئولون هنا وهناك مناصبهم في الاستيلاء على حقوق ومقدرات الآخرين، ألم يتلاعب التجار بالأسعار وسرقوا ونهبوا من أجل زيادة ثرواتهم، وقس على ذلك كل شيء.

كلنا شركاء، كلنا متهمون بالإضرار بمصر ومصالحها الوطنية العليا، وليس منا من ليس بحاجة إلى التغيير والإصلاح، إلى الثورة، ثورة يقودها ضد جشعه وطمعه وكذبه ونفاقه، لكي تكون ثورتنا، ثورة مصر حقيقة، وتؤتي أكلها من ثمار الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والنهضة والتقدم.

متى نفيق وندرك أن الأمر يبدأ بنا، بكل واحد فينا، فأن تنقي ثوبك وقلبك وعقلك ويدك من دنس الفساد والاستغلال، يعني أنك ستؤدي عملك بإخلاص وستخدم وطنك بضمير وستعلي من مصلحته، لن تسرق، لن تحتال، لن تخون، لن ترتشي، لن تتواطأ مع سارق أو خائن أو فاسد أو مرتش.

إن هذه المرأة وهذا الرجل الذي يحمل كل صباح شباكه إلى نهر الحياة بحثا عن رزق نظيف وشريف له ولأبنائه، والذي نراه كل صباح يسعي في شوارع وحواري مصر حاملا بضاعته فوق كتفه، هو برأيي من يسعى لبناء مصر وتعميرها بالخير، وليس هذا أو ذلك ممن يستيقظون على التآمر ويسعون هنا وهناك بالاحتيال والنصب للحصول على ما ليس من حقهم.

أليست بائعة الجبن القريش أو بائع المكانس الجريد أو بائعة الدجاج والبيض أو بائع القماش، هؤلاء الذين يحملون بضاعتهم وصناعتهم من القرى والأحياء الفقيرة إلى أسواق القاهرة كل صباح، خير من هؤلاء الذين يذهبون إلى مكاتبهم في هذه المؤسسة أو الهيئة أو المصلحة ليتآمروا ويدسوا لبعضهم البعض ويمدون أيديهم للحصول على رشوة من المواطنين الفقراء.

الثورة ليست علما أو هتافا أو اعتصاما أو كشفا لفساد الآخرين ومحاسبتهم أو خروجا على نظام أو حكم فاسدين أو فاشلين فقط، الثورة أيضا أن نواجه أنفسنا، أن نهتف ونعتصم ونكشف فساد دواخلنا ونضع أخطاءنا أمام محكمة قاضيها الحق.

الثورة أن نغير ونجدد دماء رؤانا وأفكارنا، أن نقرأ ونعرف ونتعلم ونطور ونضيف ونطمح ونتطلع ونتمرد على الثابت المتردي، وندفع بمصر لكي تحتل مكانتها اللائقة التي تستحقها عن جدارة، أن يكون لدى كل منا خطته لتغيير وإصلاح ذاته وحياته ومن ثم وطنه وأهله نحو مستقبل أفضل.

الثورة أن نسعى إلى تحقق جاد دون فهلوة أو عجلة وألا نركن إلى اليأس والإحباط، أن نخوض معترك المستقبل بقوة الإرادة والإصرار على النجاح.

إن مسيرة الطاقة الإنسانية منذ فجر التاريخ من جيل إلى جيل وحتى اللحظة تسير من ثورة إلى ثورة، مؤكدة أن الإنسان في ثورة لا تهدأ من التطور والتجدد والتقدم، ولولا ذلك لما أصبح العالم أشبه بالقرية الصغيرة بفضل الاتصالات.

إذن الأرض تتكلم "ثورة" بفضل التطلع الإنساني إلى حياة أفضل منذ خلقها الله وستظل حتى قيام الساعة.

 

 

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 451 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,821,057

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز