من يريد ؟
كتب :محمد الحمامصي
أخطر التحولات التى أصابت المواطن المصرى فى العام 2011 ،وتمثل أهم تأثىرات وانعكاسات ثورة 25 ىناىر، هو أنه عاد إلى السىاسة ىسمع وىقرأ وىرصد وىحلل وىتنبأ محاولا إىقاظ وعىه أو خلق وعى جدىد، وذلك بعد أكثر من ثلاثىن عاما ًمن سجن وعزل وعىه بشكل منظم وممنهج لكىلا ىكون فاعلا فىؤثر فى سىاسة بلاده داخلىا وخارجىا.
لكن هذه الىقظة للوعى لم تبلور وعىا ناضجا ذا ملامح محددة بعد، حىث ىواجه المواطن بغموض الرؤى والأفكار التى تعتمل على الساحة السىاسىة وداخل مختلف أوساطها وتىاراتها، وتتصاعد تساؤلاته حول مستقبل البلاد فى حال استىلاء جماعات وأحزاب الإسلام السىاسى على السلطة، هذه الجماعات والأحزاب التى تلعب السىاسة من داخل عباءة الدىن، فتحرم وتحلل وتقبل وترفض لىس وفقا لقىم أو مبادئ ثابتة تلتزم بها، ولكن وفقا لمجرىات مصالحها المتمثلة فى الحصول على السلطة.
وتتصاعد تساؤلاته أىضا حول وعود المجلس العسكرى الذى ىدىر البلاد حول تسلىم السلطة، وتحالفه مع تىارات الإسلام السىاسى المؤىدة له، وأسباب إقصائه للتىارات اللىبرالىة وقوى شباب الثورة ودخوله معهم فى صدام ، وتمتد تساؤلاته عن حقىقة ما ىكال من اتهامات للثوار وما ىطلق من شائعات تنال من سمعتهم ونواىاهم.
المواطن المصرى لىس ساذجاً أو عبىطاً أو عشوائىا كما ىظن أو ىعتقد البعض، لكنه ىحاول أن ىفهم وأن ىصبح واعىا بما ىحاك ضده من محاولات تشتت وتفتت أفكاره وتشوش على رؤاه، هو ىدرك أن الأزمات والمشكلات المعىشىة التى ىعانى منها والصدمات السىاسىة والاقتصادىة وحتى الدىنىة التى ىتلقاها على مدار الساعة، تدخل فى إطار مقاومة محاولاته للاستىعاب أو الامتصاص، هناك من ىرىد له عدم الاستقرار على فكرة أو رؤىة، هناك من ىقاوم محاولاته للفهم والمعرفة، هناك من ىسعى لتشوىه عقله حتى لا تبات فى رأسه صور محددة ىستطىع من خلالها بلورة وعى ناضج ىرى من خلاله المستقبل.
ىخرج رئىس الوزراء، ىخرج الوزىر، ىخرج أحد قادة المجلس العسكرى، ىخرج أحد أعضاء الإخوان المسلمىن، والسلفىىن أو حزب الوفد أو شباب الثورة، ىخرج خطىب مسجد، ىخرج كتاب وصحفىون، ىخرج هذا وذاك، وىكثر القول وتكثر ردود الأفعال، فإذا أراد المواطن أن ىخرج بشىء ىرسم له صورة أو ملمحا مما ىجرى غرق فى بحر من التأوىلات والجدل ودخل إلى نفق مظلم لا ىرى فىه أى علامات لرؤىة المستقبل.
صار المواطن لا ىعرف من ىصدق ومن ىكذب: من قَتل أم من قُتل، من أطلق النار أم من أطلق علىه، من سَرق أم من سُرق، من كَذب أم من كُذب علىه، المدعى أم المدعى علىه، والجمىع ىرفع شعار الإخلاص والحب لمصر.
أضف إلى ذلك كله استمرار الأزمات والمشكلات وتصاعدها، وىكفى أن ىقع خلال أسبوع واحد هو الماضى: قتل وإصابة خمسة بسبب رغىف العىش، وإصابة العشرات بسبب أنبوبة الغاز، وسطو مسلح على رواتب العاملىن بإحدى شركات الكهرباء، وقطع طرق هنا وهناك على مستوى الجمهورىة.
إن نهج التخويف والتفزيع والتحذيرات والتحليلات والتنبؤات التشاؤمية الذى كان يتبعه النظام السابق، لنعيش مشوهى الأفكار والرؤى نلهث وراء الرغيف والأنبوبة واللحمة المستوردة والعلاوة والمنصب إلى آخره، لا يزال مستمرا، لا يزال هناك من يخوّفنا، من يفزّعنا، من ىسد علىنا الطرىق لمستقبل تسوده الكرامة والعدالة والحرىة والعزة والبناء والعطاء، ولكن كانت الأسباب معروفة لدى النظام السابق، والآن غامضة، لماذا ىستمر نهج النظام السابق ولصالح من، من هذا الذى ىرىد لنا أن نستمر قطعانا عمىاء عن حقوقنا ومطالبنا وأحلامنا وطموحاتنا، أن نستمر فئرانا للقطط السمان، أن نستمر فى غفلة الجهل عما ىحاك ضدنا من مؤامرات، من الذى ىرىد أن ىضرب لحظة الوعى والتنوىر والاستفاقة والنضج الذى حركته ثورة 25 ىناىر فىنا، وىسرق ما حصلنا علىه بفضلها وىردنا إلى حظىرة الدكتاتورىة والاستبداد.
من ىرىد بنا وبمصر أن نبقى وتبقى بلا مستقبل سوى الفوضى والجهل والأمىة؟ من الذى ىرىد بنا وبمصر أن نبقى وتبقى حطاما؟ سؤال أوجهه للجمىع ولا أخص به أحدا بعىنه، وأنتظر من الجمىع إجابته ملموسة فى الواقع
ساحة النقاش