المحرضون على شباب مصر باسم الدين
كتب :محمد الحمامصي
التحريض صار لغة وسلوكا، وهو الأمر الذي يشكل خطرا على بنية المجتمع المصري وتركيبته المجتمعية، فخلال الأسبوع الماضي الذي أعلنت فيه بعض القوى السياسية الإضراب والعصيان المدني لم تهدأ قنوات وإذاعات وصحف رسمية وخاصة عن التحريض ضد شباب الثورة، تحريضا وصل إلى حد اتهامهم بالكفر، أي والله خرج مستمع على إذاعة دينية رسمية متخصصة ليكفر هؤلاء الشباب ويحرض على الانتقام منهم، مع ملاحظة أن هذه الإذاعة عمدت منذ فترة في برنامجها الصباحي على تناول موضوعات موجهة تطرح تساؤلات تبث الفرقة باسم الدين.
قد أختلف أو أتفق مع الدعوة، لكني يقينا أختلف مع قمعها بالتحريض علي شبابنا الذي أطلقها، للدرجة التي يقنن فيها التحريض ويحلل باسم الله ورسوله. ساءني كثيرا ما جاء من أقوال سواء كانت آراء مستمعين حقيقيين أو مزيفين مدفوعين أو مأجورين، وتعقيب الشيوخ والأئمة ضيوف البرنامج عليهم، وكأني أقرأ فيهم قول الله تعالى "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون".
التحريض أصبح لغة مشايخ الفضائيات الدينية والمساجد والزوايا، فالجمعة الماضية استكثر شيخ الجامع على هؤلاء الأطفال والشباب الذين قتلوا في بورسعيد بدم بارد أن يكونوا شهداء، وقال أنهم ذهبوا إلى اللهو والفرجة الحرام، واعتبر رياضة كرة القدم ملهاة في عداد الخطايا والذنوب، وأن من قتلوا سوف يبعثون يوم القيامة على حالهم هذا اللاهي.
التحريض يأتي كموجة تشبه التي سبقت ثورة 25 يناير وواكبتها حتى إسقاط مبارك، فقد تبنته القنوات الرسمية الأرضية والفضائية التي لم تراع أن هؤلاء الشباب هم من أبناء مصر، ونعتتهم بأعداء الوطن والمتآمرين عليه، أما الإعلام الرسمي المقروء فحدّث ولا حرج عما ساقه كتّابه من اتهامات، حتى أن أحدهم ـ رئيس تحرير أخبار اليوم الأسبوعي ـ قال بالحرف الواحد "ماذا يحدث ولمصلحة من هذه الأفكار الشيطانية التي ترتدي ثوب البراءة والفضيلة"، ونحن نسأله هل الدفاع السلمي عن الحقوق والمطالب الشعبية فكرة شيطانية، ولمصلحة من تنعت الفكرة المشروعة بالشيطانية؟.
وإذا كان رئيس تحرير الصحيفة المشار إليها قد دبج مقالته بهذه الاتهامات، فإن مجمل المقالات والكتابات في العدد تشكل تحريضا على أبناء مصر، إلا إذا كان رئيس تحرير أخبار اليوم قد سحب منهم الجنسية؟ أي شيطانية هذه التي يتحدث عنها، شيطانية الذين ذبحوا الأطفال والشباب في بورسعيد على مرأى ومسمع من الجميع؟ أم شيطانية المليارات التي خرجت من مطار القاهرة بالأمر المباشر في ذروة ذبح الثوار في ميدان التحرير أيام يناير الأولى؟.
أيضا وزير الثقافة الذي كنت آمل فيه خيرا باعتبار ما أعرفه عنه خرج ليقول أن فكرة الإضراب والعصيان ضد الوطنية؟ وأسأله عن أي وطنية يتحدث؟ وطنية قتلة الثوار الذين لم يحاكموا حتى الآن، أم وطنية التحالف السلفي الإخواني لإلباس العقول المصرية النقاب، وحرية التعبير الإسدال؟.
لقد أصبت بالإحباط بل بالاكتئاب من ردود الفعل، التي لم تراع أن ذلك حق سلمي قانوني ومشروع، الخطير أن الردود لم تكن تناقش أو تجادل بالحسني أو تحاور أو ترشد أو تنصح أو تنير لكن صبت في التخوين والتآمر والعمالة والحرام والكفر في دعوة صريحة لإحلال دم هؤلاء الشباب الذين لا يهدفون إلا إلى ما يخدم الوطن، هؤلاء الذين خرجوا يحملون على أيديهم أكفانهم تضحية من أجل كرمة وأمن وحق وحرية وعزة مصر وأبنائها.
وأسأل هنا هؤلاء الذين يستخدمون الدين ويفسرونه حسب أهوائهم ومصالحهم وأرزاقهم ورغبة سلطانهم ليحرموا ويحللوا ويحرضوا باسم الله من أجل رضى السلطان، أي سلطان مال أو نفوذ أو سلطة، ألم يقرأوا قول الله تعالى "ولا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا"، وقوله تعالى "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم".
يخرج أحد الكتاب ليقول "على رجال الشرطة إلقاء القبض عليهم وإيداعهم السجن وأنشاد القضاء تطبيق حد الحربة عليهم لقول الله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض"، أسأل هذا الكاتب الذي يستخدم قول الله في غير محله، هل خرجت دعوة هؤلاء موجهة ضد الله أو رسوله أو من أجل الفساد في الأرض أم أنها موجهة ضد القمع والاستبداد والفساد، ومن أجل حقوق الناس التي أهدرت ولا تزال تهدر.
ألا نتقى الله في مصر وفي شبابها، ألا يدرك هؤلاء المحرضون أنهم يشعلون الفتنة في الشارع ويمهدون للطائفية، فهؤلاء الشباب لهم مؤيدون في كل بيت مصري، في كل شارع وحارة وهيئة ومؤسسة.
وشخصيا أسأل هؤلاء وأولئك ممن سمعتهم وقرأت لهم هل طالب هؤلاء الشباب بحرق المؤسسات أو المنشآت أو دعوا لقطع الطرق وقتل النفس التي حرم الله؟ هل أصبحتم جميعا مشايخ وأئمة وفقهاء؟ وما علاقتكم بالدين؟ ما علاقتكم بالله ورسوله؟ ألم تقرأوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، اتقوا الله وعودوا إلى رشدكم إن كان لكم رشد تعودون إليه، فما تقولونه تحريضا يجرم عليه القانون ـ إذا كنا حقا في دولة القانون ـ فالذين دعوا إلى الإضراب والعصيان المدني لم يضعوا سيوفهم على رقاب الناس لكي يلبوا دعوتهم، هم أطلقوها وليس بأيديهم آلة قمع أو دكتاتورية أو استبداد، ومن استجاب استجاب لأن ضميره الإنساني حتم عليه الاستجابة ومن رفض الاستجابة رفضها أيضا انطلاقا من ضميره الإنساني.
أنتم لستم أوصياء على مصر وأبنائها، لستم أوصياء على الله ورسوله ورسالاته السماوية، فإما أن تقولوا حقا خالصا وإما أن تصمتوا.
وأخيرا وليس آخرا :
قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ".
ساحة النقاش