كتبت :منال عثمان

 لم تكن هناك أية نية لإجراء هذا الحوار، ولم يكن في أچندة المهام، لولا صدفة رائعة جمعتني في واجب عزاء مع صديقة كانت السبب المباشر له.. نهاية القول عرفت منها أن النجم العالمي عمر الشريف في مصر ويقيم في بيت ابنه «طارق» في التجمع الخامس، وأولادها مع أحفاد النجم في مدرسة واحدة .. ناهيك عن صداقة أسرية بين العائلتين.. تحينت الفرصة للقاء النجم في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الوطن الغالي، وتم المراد وفي حديقة الفيلا استقبلني بابتسامته الشهيرة ll

ضحكت معلقة: أشكرك لأنك هادئ ومبتسم

 قال مستفسراً: ولماذا لا أكون كذلك؟

 أرهقتنا المواقع والفضائيات. بحادث صفعك لإحدى المراسلات؟

 أشاح بكفه. وعبس قائلا: أنا أغضب كثيرا من التفاهات، تزهقنى، تؤلمنى نفسيا، تجعلنى أغضب حتى ولو كنت هادئا، معظم كتاب وصحفى مصر كتبوا وقالوا: قد يكون كبر سنه.. فعلا قد أكون يا أخى كذلك، فأنا بعد شهور سأكون فى الثمانين، أليس هذا عذرا كافيا لو كنت أسأت إلى هذه الفتاة. وحقيقة لا أتذكر أننى صفعتها، وهل يمكن أن أفعل؟ أنا جنتلمان يا سيدتى حتى ولو فى أرزل العمر. كل ما أتذكره أنها ألحت لإجراء حوار ، وكنت قد أخبرت الجميع أننى بعد حضور المؤتمر الصحفى سألتقى بهم، لكنها ألحت وطاردتنى تقريبا فلوحت بيدى رافضا، طريقة التصوير بينت أننى أصفعها لكن هذا لم يحدث. ولو حدث ماذا فى هذا؟ إنها كابنتى أعلمها أن الإلحاح على رجل عجوز مثلى يزهقه. والفتاة نفسها. لم تغضب وواصلت عملها ولم تزعل حتى، من زعل الفضائيات والمواقع وصديقى الصحفى المصرى الكبير. الذى قال عمر (خرّف).

  من يكون؟

 - لا أريد أن أوسع الموضوع وأكبره، لكن إذا كنت (خرّفت) فهو أكبر منى. يعنى أصبح (مخرّفاتى) كبير. يضحك

  أستاذ عمر حدثنى عن مصر فى عيونك الآن؟

 - عيونى دامعة وحزينة من أجل حبيبتى مصر، عندما أتيت كلمنى عادل إمام وأنا أحبه جدا، لكن لم أستطع أن أسيطر على نفسى، وبكيت وأنا أروى تفاصيل ما رأيته فى طريقى من المطار إلى بيت ابنى، ما كل هذا الخراب والهدم والسرقة وأطلال أماكن كثيرة كنت أحبها، كافتيريا صغيرة نائية كنت أشعر فيها بعبق الزمن الجميل منذ الثمانينيات وأنا أتردد عليها كلما أتيت مصر. صاحبها يفهمنى ويفهم ذوقى وطلباتى وطلبات أصدقائي المقربين الذين يصحبوننى وتكون جلستنا هناك. هذه المرة رأيتها مغلقة وعرفت أن صاحبها أصيب بالشلل بعد وفاة حفيده ولا أعرف فى بورسعيد أو محمد محمود، حزنت كثيرا، ماذا حدث؟ العالم كله شهد للثورة روعتها، بل جمعنى عشاء منذ شهور بالنجم (كيفين كوستنر) وأنا أعرفه منذ سنوات قليلة أشار إلى إعجابه بالثورة وروعة المصريين الذين حصلوا على حريتهم.

  يقولون أنها فترة تعقب أية ثورة. مثل توابع الزلازل؟

 - يغضب: هذه توابع وحمم بركانية (وهباب أزرق) وهل هذه أول ثورة للمصريين؟ عرفت أن منذ الفراعنة المصريين حين يشعرون بالظلم يستفحل، يخرجون ويطالبون بالحرية من الحاكم واسترداد الكرامة منذ الأسرة السادسة، سمعت زاهى حواس وغيره يقولون هذا، هل تتصورين أنهم يحصلون على الحرية ويخربون بها الدنيا ويقتلون الشباب، أنا نفسى حضرت ثورة 1952 فى مصر وكنت فى العشرين من عمرى أتذكر جيدا حكم الملك فاروق، وتحية كاريوكا وسامية جمال رحمهما الله كانتا تحكيان لى أحيانا ما رأوه فى سهرات قصر عابدين وغيره، وأنا دراستى كانت فى (فكتوريا كولدج) وعرفت هناك الملك حسين وصديقى أحمد رمزى. المهم نعود لثورة يوليو. لم نشعر بعد خروج فاروق وتولى الضباط الأحرار الحكم بأى شئ بل العكس كنا نشعر بنسائم حرية رغم أن البعض تضرر، لكن من تضرر لم يقف أمام الثورة ويحطم فى البلد ويقتل الشباب، بل أذعن وتكيف مع الوضع، وعندما تولى عبدالناصر، شعرنا بالأمان.

  رغم ما قرأناه عن ظروف علاقتك بالنظام فى هذا الوقت؟

 - هذه أمور شخصية أو فترة ليست ظريفة، لكن أنا أحيد نفسى تماما وأعطيك صورة عن فترة ناصر، وما حدث معى كان فى فترة ما قبل ذهابى للخارج يعنى كان بعد الثورة بسنين، لكن (ناصر) فعل أشياء لمصر جيدة وحافظ على شعبه وأنجح الثورة. وأقام صلة حب كبيرة بينه وبين المصريين لدرجة أنهم أصروا على بقائه فى الحكم مع نكسة 67، وبنى السد العالى وأمم قناة السويس. هناك أخطاء نعم ، وأنظمة داخل الدولة، حدث ذلك لكن لم تكن هناك جرائم فوضى وقتل فى الشوارع.

  لكن السادات أقرب إليك؟

 - السادات رجل داهية حريف لعب سياسة، الله يرحمه كان عشرة رجال فى رجل واحد، سياسى قدير وفنان بالفطرة قابلنى بالخارج وطلب منى أن أعود لمصر. وقال لى بالحرف - يا أخى بلدك أولى بك - أشعل حنينى لمصر وبالفعل عدت وحضرت حفل زفاف أبنته فى هذا التوقيت الذى دعانى إليه. والحقيقة فترته كانت زاهرة، هذا رأيى يختلف معى من يختلف. نعمنا بنصر أكتوبر والانفتاح الذى قالوا أنه لم يكن مدروسا جيدا لكن على أى حال السادات فى رأيى قتل غدرا وسط أولاده.

  بعض من عناصر التيارات الإسلامية أعلنوا ندمهم الآن على قتل السادات؟

 - لم يعد يجدى أن نحلل الآن ما حدث حدث وقاتلوه أخذوا جزاءهم.

ما علاقتك بالرئيس السابق مبارك؟

 - لم تكن هناك علاقة بالمعنى المعروف. قابلته أكثر من مرة منها مرة فى شرم الشيخ أثناء انعقاد مؤتمر (دافوس) ولم يكن بيننا حوارات أكثر من السؤال على الصحة. وعندما كنت مشتركا فى ملف المونديال للترويج لمصر حدث حوار قصير على الهاتف تمنى لنا أن ننجح فى مهمتنا.

  هل كنت تشعر بما يعانيه المصريون فى فترته؟

 - فى دهشة: طبعا. ألست مصريا، وأثناء تصويرى لفيلم (المواطن مصرى) فى إحدى القرى رأيت العذابات بعينى ورأيت العشوائيات والشوارع القذرة والشباب الملقى على القهاوى بدون عمل. (إيناس بكر) الصديقة والمخرجة ومديرة أعمالى عرفتنى على مجموعة بنات قمرات أثناء تصويرى لمسلسل (حنان وحنين) ليعملن معنا فى المسلسل وكلهن فوق الثلاثين وبدون زواج. وقلت لإحداهن. معقول شباب مصر كف عنهم البصر !! فقالت: لا لكن جيوبهم خاوية ، أنا أعرف كل المصائب والبلاوى. لكن الحقيقة أيضا رأيت المدن الجديدة وخطوط المترو والأماكن الفخمة والمولات يعنى أنا أتصور أن هذا التفاوت الكبير بين من هم فوق جدا ومن هم تحت جدا. صنع هذه الثورة وكان العامل الأكبر لكل هذا الغضب.

  ما رأيك فى الشباب والائتلافات والمحاكمات وتهريب الأموال والاستيلاء على الأراضى والخيرات والصعود الإسلامى.

 يقاطعنى.

 - حيلك. كل هذا نلخصه فى كلمة واحدة أنه المخاض الكبير الذى تمر به مصر، إنها تولد من جديد بوجه جديد وملامح أخرى لكن أتمنى ألا تكون بأخلاقيات أخرى فأكثر ما يميزنا أخلاقنا الطيبة والشهامة والتدين والظرف والجدعنة والرجولة، نريد أن نسترد أخلاقنا الحقيقية ولا نستبدلها بأخرى نريد أن نمسح كل هذه الدماء والوحشية والجبروت والعنف من على وجه مصر الجميل. نعطى ظهرنا للتخلف والجهل والمرض. فما صنع ثورتنا هى أصابع جميلة على موقع الفيس بوك

  لو رشحك مخرج كبير الآن لعمل عن ثورة يناير، هل تقبل؟

 - لسه بدرى. الثورة لم تضع خطوطها الأخيرة بعد. لو كان لى عمر وصحة وقدرة ذهنية. سوف أوافق لكن بعد خمس سنوات مثلا. (يضحك) لو فىَّ نفس.

  وأنت عائد لإسبانيا لتصوير فيلمك الجديد. ماذا ستقول لنفسك؟

 - سأقول لها. لمصر. يا حبيبتى قلبى عليك انفطر

المصدر: مجلة حواء -منال عثمان
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 755 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,780,230

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز