سماسرة الآلام
اليتيم سبوبة الفضائيات
كتبت :مروة لطفي
هى فتاة فى عمر الزهور.. لم تقترف ذنباً فى حياتها سوى مجيئها لتلك الدنيا رغماً عنها.. «فاليتم» هو تهمتها الوحيدة التى تعاقب عليها بقصد أو بدون ، وتحت هذا المسمى تعانى مالا يمكن أن يتحمله بشر بدءاً من الاحتفال بهذا اليوم وما يتبعه من استغلال لآلامها فى وسائل الإعلام المختلفة بحجة حث الناس على التعاطف معها.. وانتهاء بتعامل المجتمع مع أحزانها..
وسواء كانت نوايا القائمين على رعايتها طيبة أو العكس.. فالنتيجة مزيد من التحطيم النفسى والمعنوى لها..
وفى محاولة منا لإيقاف المتاجرة بآلامها وغيرها من الأيتام كانت تلك السطور
رغم إعلانات دور إيواء الأيتام العديدة التى تطالعنا بها الصحف اليومية وتظهرها القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية إلا أنه لا يوجد إحصائية رسمية واحدة أو دراسة ميدانية ترصد أعداد الأيتام أو تحصر أرقام الملاجىء الحكومية أو الخاصة فى مصر.. إنها تقتصر على أعداد الأيتام المقيمين ببعض دور الإيواء.. والتى يتم استغلالها فى إعلانات التسول الفضائى خاصة مع اقتراب يوم اليتيم فتحوله إلى يوم حزين فى حياة الأيتام لتذكرهم بأوضاعهم الموجعة ، مما يزيد من شعور النقص داخلهم وأصدق دليل على ذلك ما أكدته إحدى اليتيمات المقيمات فى إحدى دور الإيواء والتى تدرس بالمرحلة الإعدادية حين تحدثت قائلة: منذ أن تفتحت عيناى على هذا العالم وأنا أعيش داخل دار أيتام ولا أعرف أهلاً أو أصدقاء سوى زميلاتى المقيمات بالدار..
فضلاً عن هذا اليوم الكئيب المسمى بـ «اليتيم» حيث أقف مع زملائى مرغمين بأمر من المشرفين على الدار لتصورنا وسائل الإعلام المختلفة.. وطبعاً لابد أن نبتسم تعبيراً عن فرحتنا بالهدايا والملابس التى لا نراها إلا فى هذا اليوم.. فى البداية كنت أسأل المشرفات يعنى إيه يتيم؟!.. ولماذا يأتى الناس لزيارتنا فى هذا اليوم ؟!
حتى التحقت بالمدرسة.. لأدرك ماهية ما يحدث حولى.. فعندما ظهرت فى إحدى حفلات الأيتام بالتليفزيون وشاهدتها زميلاتى بالمدرسة ، بدأن معيرّتى باعتبارى ابنه حرام كما يقولون وحتى لو كنت كذلك.. فما الذنب الذى اقترفته كى يعاملونى بهذه القسوة؟!..
لذلك أكره اليتم واليوم الأسود الذى يذكرنى به ، ولا أجنى منه سوى الحسرة والتعاسة فكم تمنيت لو تركت المكان لأعيش حياة أسرية طبيعية كباقى زميلاتى بالمدرسة لكنى لا أملك سوى الأحلام..
الموت رحمة
- س ع.. طالبة بالمرحلة الثانوية فهى الأخرى تمقت اليتم ويومه تقول: اعترف أن هذه الكلمة هى عقدة حياتى.. فبسببها أشعر بالخزى والخجل.. فرغم أن والداى توفياّّ فى حادث سير، إلا أن وجودى بدار إيواء يجعل الكل ينظر لى باعتبارى لقيطة فضلاً عن تعمد إيذائى وإهانتى من قبل زملائى بالمدرسة بصفتى لا سند لى حتى أننى كثيراً ما تمنيت لومت مع والداى حتى أرحم من آلامى والتى أدت لعدم تحكمى فى عملية التبول رغم وصولى لسن السادسة عشرة ، لذلك أهرب مع بعض زميلاتى يوم اليتيم هرباً من نظرات الشفقة التى تزيد معاناتنا، وأتمنى لو يشطب هذا اليوم من أجندة السنة..
الشارع أفضل
وردة - فتاة يتيمة - تقيم بإحدى دور الأيتام نهاراً حتى يأتى الليل فتشعر بضيق النفس وتختنق لتهرب إلى الشارع كى تنام على أرصفته ، وهناك التقى بها الكاتب مكاوى سعيد الذى تأثر بحكايتها مما دفعه لدراسة حالتها وغيرها من أطفال الشوارع ليعبر عن معاناتهم من خلال روايته الشهيرة «تغريدة البجعة» وهو ما أكده قائلاً: لقد اكتشفت أن كثيراً من أيتام الملاجىء يهربون إلى الشارع هرباً من القهر الذى يتعرضون له فيها ، فضلاً عن قسوة بعض المشرفين حتى إن الشارع يكون أفضل لهم من تلك الملاجىء.. لذلك أرى أننا بحاجة لإعادة النظر فى الأساليب التى نساعدهم بها حيث نرضى ضمائرنا تجاههم من خلال يوم اليتيم وكأننا نختزل 360 يوماً فى السنة باحتفالية و«هدية» تقدم فى هذا اليوم مما يزيد من معاناتهم..
وجدير بالذكر أن بعض الجمعيات تستغل تلك الاحتفالية لجمع أموال تقسم على أعضاء مجالس إدارتها بينما لا يصل لهؤلاء الأيتام سوى أقل القليل..
الأم البديلة
أما د. نادية رضوان - أستاذة علم الاجتماع بجامعة بورسعيد - فتحدثنا عن الظلم الذى يتعرض له الأيتام منذ خروجهم إلى هذه الدنيا من خلال تفقدها للعديد من ملاجىء الأيتام قائلة: لا شك أن هذه الفئة تتعرض للاستغلال منذ خروجها إلى الحياة.. فما أن يسلم الرضيع إلى قسم الشرطة حتى يتم تسليمه لإحدى الأمهات البديلات اللاتى توجد قائمة بأسمائهن فى مكاتب الصحة فيصرف لهن مبلغ 90 جنيهاً وعلبتى لبن.. ونظراً للفقر المدقع لهؤلاء النساء.. فغالبيتهن يبعن اللبن ويعطون الرضيع ماء بالنشا بدلاً منه ، فضلاً عن استغلال البعض الآخر للرضع فى التسول حتى يتموا عامين فتتسلمهم إحدى دور الأيتام حيث ترفض هذه الدور تسلم الأطفال أقل من عامين.. بعدها.. يتعرض اليتيم لصورة أخرى من الاستغلال حيث يتكسب البعض باسمه عن طريق إظهاره فى وسائل الإعلام لجمع تبرعات له.. ولا أنسى صورة الأيتام خلال الاحتفالية التى أقيمت فى العام قبل الماضى احتفالاً بهم فى أحد الفنادق الكبرى ليروا عالم أبعد ما يكون عن الكفاف مع البؤس الذى يعيشونه مما يزيد من شعورهم بالحرمان..
وتضيف د. نادية : إن المشكلة فى مجتمعنا تكمن فى عدم معرفة الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأيتام، فكثيراً ما تكون النوايا حسنة لكن الفعل خطأ حيث يحاول البعض التخفيف عن آلامهم بالترفيه عنهم فى أماكن أبعد ما تكون عن معيشتهم أو الاقتراب الزائد منهم حتى يتعلق بهم اليتيم.. فما أن ينشغل عنهم حتى يصاب اليتيم بالاكتئاب..
وتتفق د. فؤادة هدية - أستاذة بمعهد الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس - مع الرأى السابق وتضيف : إن المشكلة تكمن فى شعور اليتيم باختلافه عن الناس نتيجة ظروفه غير الطبيعية مما يزيد من درجة حساسيته تجاه المتعاملين معه.. فالبعض يعتقد أن الاحتفال به يسعده بينما الواقع عكس ذلك تماماً..
فالطفل بطبيعته يخشى التعامل مع الغرباء فضلاً عن حاجته لمن يهتم به ويحتويه بصورة دائمة ، فما يحدث من اهتمام وتسليط الضوء على مدى يوم أو أكثر بعدها يعود للإهمال من جديد مما يكون له أسوأ الأثر على نفسيته . لذلك أناشد المهتمين فعلياً بالأيتام بمساعدتهم فى الخفاء دون تعريضهم لأى احتكاك مباشر ينعكس سلباً على مشاعرهم..
وترفض الدكتورة رحاب أحمد لطفى - مدرسة أعلام تربوى بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة - هذه الاحتفالية حيث يؤدى تسليط الضوء الإعلامى على اليتيم والتسول باسمه إلى نظر الأطفال الآخرين له باعتباره متسولا مما يزيد من معاناته، لذا ينصح بتعامله كشخص طبيعى مع أهمية اعتدال الانفعالات معه بمعنى عدم إغراقه بالعواطف الجياشة أو النقيض من الجفاء أو البرود..
وإذا أردت مساعدة اليتيم فيجب أن يكون ذلك فى سرية تامة بعيداً عن التباهى حيث يزور البعض الأيتام لالتقاط صور يظهرون بها أمام المجتمع كأشخاص خيرين..
تجريم دولى
وإذا كانت جميع الآراء السابقة تطالب بإلغاء الاحتفالية بيوم اليتيم ، فماذا عن موقف القوانين الوضعية والسماوية من استغلال الأطفال فى تلك الاحتفالية؟!..
تقول المحامية وفاء المصرى: رغم أن جميع دساتير وقوانين العالم استقرت على عدم جواز استخدام البشر فى أى أعمال تحط من كرامتهم إلا أن هذه الفئة لا تجد أية رعاية فى القانون المصرى ، كما لا يوجد تشريع يحمى حقوقهم . لذلك أرجو من واضعى الدستور الاهتمام بالفئات المهمشة كالأبناء وأطفال الشوارع ، وفى تصورى أن ذلك جزء لا يتجزأ من أهمية وضع قوانين تحمى الأسرة بأكملها وتشمل الأطفال بلا عائل، فإذا حدث ذلك فسوف يلغى الاحتفال بيوم اليتيم تلقائيا لتجريم التكسب باسمه..
وتؤكد آمنة نصير - أستاذة الفلسفة الإسلامية - أن الشريعة الإسلامية تحض على الاهتمام باليتيم ورعايته نفسياً، اجتماعياً، واقتصادياً دون تعريضه لأى أذى أو متاجرة..
من هنا أرى أن ما يتم من احتفالية باسم اليتيم يشارك فيها الجميع بصورة لا تخلو من بعض الضبابية أمر غير مستحب ، لذا أفضل أن تتم رعاية اليتيم فى مقر تواجده وبشكل مستمر طوال العام بدلاً من مشاركته فى احتفالية سنوية يستغلها البعض للتربح من خلالها..
ساحة النقاش