بعد تغيير سن الزواج:

الزواج اغتصاب شرعي

 

كتبت :سماح موسى

 تعالت الأصوات أخيراً مطالبة وداعية بمراجعة سن الزواج والنزول بها من 18 إلي 12 عاماً .. وهي الدعوة التي يطالب البعض الآن إلي إقرار مشروع قانون بها في مجلس الشعب، والسؤال: ما الداعي للمطالبة بمثل هذا الإجراء وتقنينه في مجتمع تنتشر فيه العنوسة وتضرب البطالة أحلام الشباب؟

ولماذا الانقلاب علي كل ما أقره علماء الاجتماع والنفس والأطباء من خطورة وتداعيات هذا الزواج بل والمطالبة بالتصدي له وتغليظ عقوبته القانونية، وهل يحتمل المجتمع المصري المثخن بالجراح نتيجة الفقر والمرض وأزمات جديدة في حياته بأسر مشردة ومطلقات ضائعات وأبناء بلا رعاية؟!

طرحنا الفكرة علي أهل الرأي لنستطلع تبعات هذا المشروع وأثره علي المجتمع المصري..

لاعتقاده أن زواج البنت «سترة» ، زوج «م.ع» بإحدى قرى محافظة الشرقية ابنته البالغة من العمر الثالثة عشرة عاماً وبرر ذلك قائلاً: أوافق على زواج ابنتى فى هذه السن، لأن خاطبها عند حسن ظنى، بالإضافة إلى أننا كعائلة نزوج بناتنا فى سن صغيرة حتى نحميهن من غدر الدنيا.

دموع الندم

وتبدى «ل.م» من إحدى قرى محافظة الدقهلية والبالغة من العمر«15 عاماً» عن ندمها بسبب موافقتها على الزواج صغيرة مؤكدة: أصبحت لا أطيق حياتى مع زوجى لأنه يعيّرنى بأن أهلى تخلصوا منى وزوجونى مبكراً له، ولا أجرؤ على طلب الطلاق، فزواجى غير موثق وسأنتظر حتى أبلغ الثامنة عشرة حتى يوثق زواجى حفاظاً على حقوقى.

زوجت ابنتى

وللأمهات والآباء مبررات متعددة فى تزويج أبنائهم وبناتهم مبكراً، يتحكم العوز والفقر فى أغلبها تقول «ر.م» والدة «س.ل ـ تبلغ من العمر تسع سنوات» من إحدى قرى محافظة الغربية: كثرة أعداد أبنائى جعلتنى أوافق على زواج ابنتى فى هذه السن الصغيرة علما بأن زوجى متوفى منذ أعوام وقد تحايلت على القانون باستخراج شهادة تسنين لها حتى أزوجها لأتفرغ لتربية أشقائها وشقيقاتها.

التداعيات

وعن نظرة المجتمع لهذه الزيجة «الزواج المبكر غير الموثق» يقول د.جمال إسماعيل الطحاوى- أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنيا- إن الفتاة فى سن أقل من الثامنة عشرة لاتكون مهيأة لتحمل الأعباء الزوجية «من وحمل وإنجاب» وتنتشر هذه الظاهرة بصورة كبيرة فى المجتماعات الفقيرة والمناطق العشوائية التى لاتحصل فيها الفتاة على أى قسط من التعليم، وبالتالى الحرمان من فرص العمل المناسبة واكتساب المهارات العملية اللازمة وعدم القدرة على مواجهة أى طوارئ أسرية أو مجتمعية، والشعور بفقدان الذات وضعف الثقة بالنفس، وزيادة نسبة الخلافات والمشاكل الأسرية وارتفاع معدلات الطلاق، ووفيات الأمهات والأطفال والانهيار الأسرى وتشرد الأبناء وانحرافهم.

ومن ناحية أخرى يكون الزواج غير موثق، وإذا حدث يكون عن طريق التحايل ويترتب على ذلك عجز الأم عن تسجيل مولودها فى مكاتب الصحة، لأنها لاتملك بطاقة رقم قومى بعد، ويكون مصير الطفل إذا وقع الطلاق «التشرد» والانضمام إلى أطفال الشوارع، بالإضافة إلى قتل طفولة الفتاة فى سن مبكرة، ولذلك يطلق عليها الزوجة الطفلة، وبعد أن تنجب تسمى الأم الطفلة.

ونتبجة للاضطراب الحادث فى المجتمع منذ فترة طويلة يقبل هذا السلوك الذى اعتبره جريمة، وهنا على مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية ودور العبادة دور فى التوعية بخطورة حدوث هذه الزيجة ومواجهتها بشتى الوسائل.

الأثر النفسى

وحول التأثير النفسى الواقع على الفتاة «الطفلة الزوجة» ونجاح زواجها تقول د.ميرى عبدالله- أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس-: ليس شرطاً أن يفشل الزواج المبكر غير الموثق، فقد ينجح للتقارب الثقافى والاجتماعى والعائلى والاقتصادى والعمرى، وهذا يأتى من الاختيار الصحيح للزوج وتحمل الزوجة الطفلة لأعباء الزواج، أما إذا كانت الفتاة غير قادرة على تحمل المسئولية وغير قادرة على التكيف مع الواقع الجديد، كأن تكون مدللة تلقى الرعاية من والديها، فمثل هذا الزواج المبكر يؤثر على نفسيتها ويشعرها بالانكسار والاكتئاب والانطواء والحزن.

وترفض د.ميرى زواج الفتيات قبل سن الحاديه والعشرين من عمرهن وهى السن التى تفهم فيها الفتاة الحياة جيداً، وتنال قسطا كبيرا من التعليم حتى تربى أبناءها جيداً.

لامانع بشروط

وعن رأى الشرع فى هذه الظاهرة يؤكد الشيخ عبد الحميد الأطرش- رئيس لجنة الفتوى سابقاً وأمين عام الدعوة بالأزهر -إن الزواج المبكر جائز شرعاً فلقد خطب سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام السيدة عائشة وهى فى سن السادسة وقيل فى سن السابعة وقيل أيضا فى الثامنة من عمرها ودخل بها وهى بنت تسع سنين.

والمسألة مشروطة ببلوغ المرأة سن المحيض، فلا مانع من اتمام الزواج. ولم تعرف فترة صدر الإسلام توثيق الزواج بل كان يحتاج إلى شاهد عدل وصداق وإشهار، فإذا استوفت هذه الشروط فإن الزواج يكون جائزاً شرعاًَ.

أما اليوم فالتوثيق يضمن للفتاة حقوقها ويضمن لها حياة كريمة، وهناك فرق بين الجواز ومتطلبات الواقع والالتزام بالضوابط والقوانين التى سنتها الدولة التى تدعو إلى عدم زواج الفتاة فى سن مبكرة .

مخالفتان شرعيتان

أما د. عبد الغفار هلال عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فيقول: إن قانون الأحوال الشخصية نص على عدم تزويج الفتاة إلا بعد سن الثامنة عشرة وفق مارآه الإمام أبو حنيفة والمخالف لذلك يكون قد ارتكب مخالفتين شرعيتين أولاهما مخالفة السن المعمول بها شرعاً وقانوناً، وتتمثل المخالفة الثانية فى الإضرار بالمولود نتيجة لعجز الأم عن قيده فى سجل المواليد، وعلى والد الفتاة «ووليها» أن يراعى حق الله فى ابنته، وينظر لها ولمستقبلها حتى تعيش فى سعادة.

رأي الطب

وعن الأخطار الصحية للحمل المبكر يقول د. محمد فريد البياضى- استشارى أمراض النساء والتوليد ومدير مشروع سياسات السكان بالمجلس القومى للسكان-: بالنسبة للمضاعفات الطبية للحمل المبكر التى تصيب الأم، تتمثل فى ارتفاع نسبة حدوث تسمم الحمل والإجهاض نتيجة ضعف البويضة أو ضعف عضلات الرحم، هذا بالإضافة لاحتمالية الولادة المبكرة وحدوث نزيف رحمى قبل وأثناء الولادة وبعدها، أو تعسرها وزيادة نسبة العمليات القيصرية وارتفاع مخاطر التخدير العام والجراحة وفقر الدم الحاد المزمن وضعف الأسنان والعظام والسقوط الرحمى بعد الولادة وزيادة نسبة حدوث الالتهابات البولية والتناسلية.

أما بالنسبة للمولود فيؤدى الزواج المبكر إلى زيادة نسبة حدوث التشوهات الخلقية وظاهرة الأطفال المبتسرين «ناقصو الوزن أو العمر»، وضعف النمو نتيجة ضعف الرضاعة الطبيعية وزيادة نسبة حدوث الأمراض المعدية نتيجة ضعف الجهاز المناعى وزيادة معدل وفيات المواليد.

عقوبات تأديبية

ويطالب د. أسامة المليجى -الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة- بفرض عقوبات تأديبية إضافية على الزواج المبكر يقول: لقد نص القانون المعدل رقم «12» لسنة 1996م وكذلك القرار رقم «6927» على أنه لايجوز مباشرة عقد الزواج أو المصادقة على زواج مالم تكن سن الزوجين ثمانية عشرة عاماً وقت العقد.

وأرى ضرورة تشديد العقوبات على مرتكبي هذا الفعل والمساعدين على ارتكابه بفرض عقوبات تأديبية وليست جنائية حتى يكون عبرة للآخرين 

 

 

 

المصدر: مجلة حواء- سماح موسى

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,768,406

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز