صداقة البنات لأمهاتهن مش بالساهل

كتبت :نجلاء ابوزيد

 

 تمنيت أن يرزقني الله بفتاة عندما علمت بحملي الأول لتكون صديقتي وشقيقتي وبخاصة أنني وحيدة .

ارتبطت بها منذ طفولتها ، وطلبت صداقتها ومنحتني إياها حتي بلغت الثانية عشرة، وبدأت معاناتي ممن ينافسنني في صداقة ابنتي.

كانت هذه وببساطة مشكلة أم تعاني من تدخل الكثيرين من المحيطين بها في علاقتها بابنتها ، ولأن مشكلتها تعبر عن أزمة الكثيرات غيرها وإن أخذت أشكالاً مختلفة للمعاناة ، فكان يجب أن نتوقف عندها لنعرف كيف تحافظ الأم علي صداقتها مع ابنتها مما لا يتعارض مع تكوين البنت لصداقات أخري من سنها؟ 

مروى عبدالله - كيميائية - تقول : رزقت ببنت وولدين واعتبرت بنتى صديقتى فكنت أخذها معى فى كل مكان واتفقت معها على أن نصبح صديقتين ، وكنت أخذ رأيها فيما أرتديه من ملابس وأخرج معها لنجلس فى مكان ما، دون أشقائها أو والدها، وحاولت أن أجعلها مثلى ملتزمة ومنضبطة فى كل شىء، لكن بعد وصولها للصف الخامس بدأت ألحظ تغيرات كثيرة عليها فلم تعد تخبرنى بكل ما يحدث فى المدرسة.

بدأت تتحدث مع صديقتها أكثر منى وعندما نذهب للنادى قلما تجلس معى فمعظم الوقت تقضيه مع صديقتها واعتبرت الأمر طبيعياً حتى بدأت ألحظ تغيراًَ فى ألفاظها وأسلوبها، فى الضحك، واختيارها للملابس لا يرضينى فرفضت ذلك وبدأ الصراع بين ما أحاول إقناعها بأنه الأفضل والمحترم وبين ما يقلن لها صديقاتها ، لدرجة أننى فكرت أن أجبرها على قطع علاقتها بهن ولكن تراجعت خوفاً على مشاعرها.

والآن ما بنيته طيلة أعوام تهدمه بنات صغيرات فى شهور.

سوء الاختيار

تتفق معها ولاء كمال - ربة بيت - قائلة : مشكلة أى أم مع ابنتها تبدأ عندما تكوَّن البنت صداقات بعضها تسىء فيها الاختيار ، وهنا تبدأ فى الاعتراض على التعليمات والمقبول والمسموح وتطالب الأم فى كل لحظة بأن تمنحها حريتها وكأنها تسجنها.

وتضيف ولاء كمال : لقد اضطررت لضرب ، بنتى على وجهها وهى فى الثالثة عشرة لأمنعها من الذهاب لعيد ميلاد صديقة لها لا أرتاح لنظام أسرتها وعندما علمت أن عيد الميلاد سيكون مشتركاً بين الأولاد والبنات رفضت ذهاب ابنتى واعترضت، فرفضت كلامى ، فما كان منى إلا أن ضربتها وللأن لم تعد علاقتنا كما كانت وأشعر أنها تفعل أشياء لا أعرفها ، لكنى عاجزة فما تمضيه من وقت خارج البيت بين المدرسة والدروس يجعلها تبتعد عنى.

غادة أحمد -أخصائية تحاليل- تقول : مررت بتجربة فلدى ابنتان وقد ربيتهما على الصراحة والثقة وقد ساعدنى ذلك جداً على الدخول فى حياتهما المدرسية والتعرف على زميلاتهما، وحدث وارتبطت ابنتى الكبرى وهى هادئة جداً وخجولة بزميلة لها على النقيض تماماً سواء فى المظهر أو الجوهر وكنت ووالدها نجلس معاً ونتحدث فى هذا الأمر لأن براءة ابنتنا جعلتها مبهورة بكل ما تفعله هذه الصديقة.

لذا اقنعت ابنتى بأن تدعوها للبيت ، وفعلاً حضرت لزيارتنا بل ووصل الأمر بها أن تطلب منا أن نصطحبها معنا إلى النادى لأن والدتها تكون نائمة، وبناء على إلحاح من ابنتى لبيت طلبها ومر الوقت وأصبحت هذه الفتاة جزءاً رئيسيا فى كل فسحنا لدرجة أن أهلنا عرفوها ودائماً كانوا يعبرون عن مدى اختلافها عن ابنتنا، لكنى لم أرد أن أصدم ابنتى وكنت على يقين أن الزمن سيكشف لها حقيقة هذه الصديقة التى تستخدمها للخروج والفسح لكنها لا تحبها بشكل حقيقى، وفعلاً بالصبر والمتابعة المستمرة اكتشفت ابنتى الحقيقة وبدأت هى من تبتعد دون أن تخبرنا بالسبب وتدريجيا ارتبطت بفتيات مناسبات مع أخلاقنا ومبادئنا.

ابنة الجيران

«ابنة الجيران تقول لابنتى أنت صغيرة لأنك تقولين كل حاجة لأمك.. هذا ما أخبرتنى به ابنتى فطالبتها بالتوقف عن الحديث مع هذه الفتاة» هكذا تحدثت رانيا سعد - ربة منزل - قائلة: إبنتى لا تخفى عنى شيئاً وإذا أخطأت أسامحها حتى لا تتوقف عن الحكى لى ، لكن فوجئت أن بنات العمارة يعتبرنها شخصية غريبة وصارحتها بذلك وجاءتنى تبكى لأنهن يرونها ضعيفة وبلا شخصية.

وصل الحال الآن بأن البنت المرتبطة بأمها هى المريضة والأخريات صحيحات وأضافت : نحن نرى أبناءنا وبناتنا فى ظروف شديدة الصعوبة فالالتزام بالأخلاق والمبادىء أصبح موضة قديمة وكل هذا يشكل ضغطاً على نفسية الأبناء والتهاون سيدفعهم لطرق لا أقبلها ولا أحب أن يعتادوها لإرضاء الآخرين.

انسحاب

السيدة هدى معبد - ربة بيت - تعلن انسحابها من المنافسة مع صديقات ابنتها وتقول : أدير شئون الأسرة بعد سفر زوجى، ووسط انشغالى كنت أترك ابنتى مع بنات الجيران أو بنات أشقائى، وكنت أتعامل معها كأب وأم بحزم ، وهذا خلق فجوة بيننا وعندما وصلت لسن المراهقة بدأت تقضى معظم وقتها مع صديقاتها وعندما أطالبها بالجلوس معى والتحدث فيما يقابلها من مشاكل تخبرنى أننا من أجيال مختلفة ، وأننى أمها لا صديقتها فأغضب منها وأخاف عليها لأننى لا أعرف ما النصائح التى قد تقولها صديقة فى سنها ، وهى لا تريد أن تسمعنى وكأنها تعاقبنى على سفر والدها ، وعندما تبتعد عنها صديقاتها لظروف السفر أو الامتحان أشعر بأنها أقرب إلى عن فترة وجودهن فى حياتها، فكل أم تريد أن يكون لابنتها صديقات لكن فى نفس الوقت لا يفرحها الاستغناء عنها بسبب الصديقات.

الظروف الاجتماعية

وإذا كانت هذه تجارب الأمهات ومعاناتهن بين ما يردن أن تكون بناتهن عليه وبين تدخل الصديقات فى حياتهن فإن للمتخصصين آراءهم وإرشاداتهم لكسب صداقة البنات تقول :

د. مديحة الصفتى أستاذة علم الاجتماع : المجتمع المصرى مر بالعديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية التى انعكست على الظروف الاجتماعية التى نعيش فيها ، وظهرت مصطلحات ومفاهيم لم تكن معروفة أو مقبولة وقد أوجد كل هذا خللاً واضحاً فى القيم المتعارف عليها عبر الزمن ، وهذا أمر ضرورى أن نأخذه فى بالنا عندما نتحدث فى أى مشكلة اجتماعية فإذا تحدثنا عن علاقة البنت بأمها وتكوين صداقة معها سنجد أنه فى الماضى كان مجتمع الفتاة شديد الانغلاق ولم يكن أمامها سوى أمها وشقيقاتها، لكن تدريجيا اتسع العالم المحيط بها وأصبحت فى كل خطوة أو مرحلة تكتسب صداقات جديدة تتأثر بها وتؤثر فيها وهنا تكمن خطورة ألا تحرص الأم منذ ميلاد طفلتها على أن ترتبط بها بعلاقة خاصة مختلفة عن كافة العلاقات ، فهذه الصداقة أمر شديد الصعوبة لكلا الطرفين ، والأم الذكية هى التى تجتهد وتتمالك أعصابها كأم لتتعلم كيف تستمع لابنتها كصديقة وبخاصة كلما كبرت وزادت مشكلاتها وأخطاؤها وللأسف إيقاع الحياة الذى نعيشه جعل نسبة كبيرة من الأمهات تكتفى بدور الأم ولا تهتم بالقيام بدور الصديقة ثم تفاجأ بأن ما ربت عليه ابنتها يزول تدريجيا بفعل أخريات من بيئات تربوية مختلفة.

لذا فعلى أى أم تحرص على صداقة ابنتها أن تتواصل مع الأخريات وأن تظل فى المشهد الخاص بهذه الابنة وأن توجهها بشكل غير مباشر وألا تمنعها من عقد صداقات مع أخريات، بل تحتوى هذه الصداقات وتمنحها الفرصة لتكون شخصيتها وتكتشف العالم من حولها لا أن تكون أسيرة لمعلومات الأم.

البيئة المحيطة

د. ليلى كرم الدين - أستاذة علم نفس الطفولة -تقول: هناك حقيقة أساسية يجب أن تبنى عليها كل أم علاقتها بأولادها جميعاً وهى أن أبناءنا يتشكلون بما نربيهم عليه من ناحية وبالمجتمعات التى يتعايشون معها وتحيط بهم من ناحية أخرى ، ولا توجد وسيلة لفصل أبنائنا عن المحيطين وإلا فإننا بذلك نؤذيهم لا نربيهم، فعندما أعلم البنت وأربيها على قيم سلوكية وأخلاقية فاصلة لا يعنى هذا أن أعزلها عن المجتمع أو أمنعها من الاختلاط بالأخريات خوفاً من تأثيرهن السلبى عليها ، لأن هذا السلوك صعب جداً فى هذا الزمن الذى نعيشه، بالإضافة إلى أنه سيجعلها شخصية هشة غير قادرة على التعامل مع الأزمات أو اكتشاف الأشخاص، وهذا يعرضها لخطر أكبر عندما تكبر وتواجه الحياة ، والحفاظ على بناتنا وما نربين عليه لا يكون بسياسة المنع لكن بمنهج التفكير والمناقشة والتعلم من الخطأ بحدود.

وأضافت أن هناك ثقافات وسلوكيات كثيرة أنتشرت بين بناتنا وهى غير مقبولة للكثيرات وكل أم تخشى على ابنتها من صديقة قد تنتمى لبيئة مختلفة ، وهنا يجب أن تحتضن ابنتها بالصداقة معها وتقديم المعلومات الهامة لها والوقوف مع الابنة فى الصدمات التى تقابلها كلما وجدت سلوكيات وقيماً مختلفة، وهذا يزداد عادة فى مرحلة المراهقة.

وتؤكد د. كرم الدين علي ان تربية الأبناء علم له قواعد ويجب كثرة القراءة فيه لتدريب أنفسنا على مواجهة الأخطار التى قد تفسد علينا ما نرى عليه أبناءنا ، وأشارت إلى خطورة منع الفتاة من الاختلاط بالأخريات من منطلق الحفاظ على ما تربت عليه، فعلى الأم بذل مجهود فى تكوين صداقة مع ابنتها وبذل مجهود آخر لحمايتها من أى سلوكيات خاطئة قد تراها لدى الأخريات لكن دون صدام، لأن كلا من الأم والابنة ينتمى لجيل مختلف ويجب إدراك ذلك فى التعامل حتى لا تخسر الأم صداقة ابنتها بسبب دخولها فى منافسة غير مقبولة مع الأخريات

 

المصدر: مجلة حواء -نجلاء ابوزيد

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,882,797

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز