«شهدت الفترة الأخيرة ثورة فى مجال التعليم خاصة على مستوى المناهج الدراسية والعديد من القرارات التى جاءت فى إطار النهوض بالمنظومة التعليمة ككل، لكن مازالت مواد الهوايات من رسم واقتصاد منزلى وموسيقى وتربية رياضية الحاضر الغائب عن الحياة المدرسية.
ومع اقتراب بدء العام الدراسى الجديد تطلق «حواء » دعوتها لإعادة تدريس تلك المواد وتفعيل حصص الهوايات بالمدارس مستعينة فى ذلك بآراء عدد من خبراء التعليم وعلماء النفس الذين أكدوا على أهميتها فى تكوين شخصية الطلاب وتنمية مهاراتهم ورعاية مواهبهم
"العقل السليم فى الجسم السليم" عبارة طالما قرأناها على جدران المدارس وإرشادات كتب وزارة التربية والتعليم بمختلف المراحل التعليمية، إلا أن المدارس تراجع اهتمامها بالنشاط الرياضى للطلاب فلم تعد تنظم المسابقات الرياضية وتقدم الجوائز المادية والكؤوس والدروع التى تشجع الطلاب على ممارسة الرياضة، ما جعل الكثير منهم يقضون الوقت المخصص لهذه الحصة فى إتمام الواجبات الدراسية.
ولم يختلف حال حصص الموسيقى والرسم وكذا الاقتصاد المنزلى كثيرا عن التربية الرياضية، فماجدة سمير، مدرسة الاقتصاد المنزلى بإحدى المدارس التابعة لإدارة بنها التعليمية أكدت أن الحصة مهمله وليست من أولويات إدارة المدرسة لأنها تكون عادة فى نهاية اليوم الدراسى، لافتة إلى عدم وجود معلمات اقتصاد منزلى فى الكثير من المدارس وإن وجدن فيقمن بأعمال مكتبية.
وتقول أسيل عصام، طالبة بالمرحلة الابتدائية:على الرغم من تخصيص إدارة المدرسة حصة للرسم إلا أنها غالبا ما تتحول إلى وقت للعب أو إنهاء الواجبات المدرسية، وأحيانا نرسم بالكراسة المخصصة لكن دون متابعة من المدرس.
أما عن حصص الموسيقى والنشاط الفنى فتقول نورهان محمد، طالبة بالصف الأول الإعدادى: لا وجود لحصص الموسيقى أو الاقتصاد المنزلى والتربية الزراعية، لافتة إلى أن مدرسة التربية الرياضية تدرب بعض الفتيات على عزف النشيد الوطنىلآدائه أثناء طابور الصباح، نافية معرفتها بوجود حصص أو غرف لنشاط التمثيل أو المسرح بالمدرسة.
من جانبه أرجع محمد عبده، مدرس تربية فنية غياب الاهتمام بحصص الأنشطة إلى قلة الميول الفنية لدى الطلاب، واقتصار اهتمام ذويهم على المواد الدراسية الأخرى، بالإضافة إلى أن معظمهم لا يقبلون على تعلم الرسم أو المشاركة فى المسابقات والمعارض الخاصة به،بل تعتبره أسرهم مضيعة لوقتهم، قائلا: للأسف مواد الأنشطة الفنية لا تحظ بالتقدير مثل باقى المواد، كما أن النظرة لمعلم الفنية سلبية، ويعتبر الطلاب وذويهم أن المنهج الدراسى سهل وغير مهم.
أهمية الأنشطة
عن أهمية ممارسة الطلاب للأنشطة العملية وخطورة غيابها يقول د. السعيد محمود السعيد عثمان، أستاذ أصول التربية بجامعة الأزهر: تعد الأنشطة الطلابية دعامة أساسيه فى التربية الحديثة، فإذا كان المنهج الدراسى يسعى إلى تحقيق عملية النمو للطلاب فإن النشاط وممارسة الهوايات من رسم أو رياضة وغيرهما يساهم بقدر كبير في ذلك ويساعد على اكتشاف مواهب الطلاب وتنمية قدراتهم وميولهم، كما يعمل على صقلها وتطويرها، بالإضافة إلى توجيه وإرشاد الطلاب إلى ما يشبع رغباتهم ما يؤدى إلى التغلب على المشكلات النفسية لديهم مثل الانطواء والخجل والميل للتمرد، لافتا إلى أن عدم الوعى بأهمية معلم التربية الفنية والموسيقية بجانب الرياضية واعتبارهم "سد خانة" والتقليل من قيمتهم ودورهم رغم أهميتهم القصوى فى كافة المراحل التعليمية ساعد على تهميش تلك الحصص وعزوف الطلاب عنها.
معايير لممارستها
يقول كمال مغيث، الباحث التربوى: رغم تباين اهتمامات الطلاب إلا أنه تم حصر الأنشطة بين المكتبة والتربية الرياضية إن وجدت، فما يحدث أن إدارة المدرسة تخرج الطلاب فى الأوقات المحددة لحصص الأنشطة إما إلى الملعب أو المكتبة فى الوقت الذى يخاف أمينها على عهدته أمام زيادة أعداد الطلاب فيغلق أبوابها ويجعلها مكانا خاصا لنفسه حتى موعد الانصراف، أو تسند الإدارة الحصص لمدرسين إضافين أو مواد تأخر فيها الطلاب.
وعن إمكانية عودة تلك الحصص يقول: هناك مشكلات عديدة تواجه تفعيل حصص النشاط من بينها عدم اقتناع أولياء الأمور بممارسة أبنائهم للنشاط المدرسى وتركيز اهتمامهم على التحصيل الدراسى، وعدم توفر المشرف المتخصص للنشاط المدرسى من قبل الإدارة، بالإضافة إلى النظرة الدونية لمعلمين النشاطوإهمالمديرى المدارس له، لذا أقترح بوضع معايير لممارسة الأنشطة، وإعداد استمارة يحدد فيها الطالب رغباته وفقا لميوله، مع ضرورة أن تكون الأنشطة بعيدة عن التقييم بالنجاح أو الرسوب، ويفضل أن تكون غير مقيدة بجدول زمنىبل تمارس خارج الجدول المدرسى بعيدا عن الصفوف الدراسيةبحيث يكون الاشتراك متاحا لجميع الطلاب.
التربية الحديثة
"المدارس بوابة لاكتشاف المواهب فى مختلف المجالات" بهذه العبارة أكد د. سعيد محمود، أستاذ التربية بجامعة الأزهر على أهمية إعادة تفعيل حصص الأنشطة والهوايات بالمدارس باعتبارها إحدى أسس التربية الحديثة وجزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية، لافتا إلى أن النظم التعليمية فى الدول المتقدمة تقلص التعليم الأكاديمى لحساب الأنشطة باعتبارها من وسائل إثراء فكر الطلاب وتنشيط ذاكرتهم.
ويقول: تسهم دراسة الهوايات من موسيقى ورياضة ورسم وفنون تمثيلية فى تقوية شخصية الطالب وتجعله قادرا على فهم واستيعاب العلوم الدراسية بشكل أفضل وهو الهدف التربوى المنشود من التعليم، كما يساعد النشاط المدرسى الطلاب على تكوين علاقات اجتماعية سليمة من خلال الممارسة الفعلية للأنشطة المختلفة خلال المرحلة الثانوية والتعليم الجامعى، لافتا إلى أن الطلابفى المراحل العمرية من 5 : 18سنةيحتاجون لممارسة الأنشطة وفقا لميولهم نظرا لأنهم فى سن الطاقة والحيوية والقدرة البدنية الكبيرة.
ويستطرد: كما تساعد ممارسة الرياضة الطالب فى تمتعه بلياقة بدنية فإن دراسة الموسيقى والفنون من رسم وتمثيل تجعله يدرك أنه فى مجتمع متنوع ومتعدد يقبل الرأى الآخر ويرفض العنف والتطرف ما يجعله طالبا سويا فكما يقال "أدخلوا الفنون من أبواب المدارس يخرج العنف من نوافذها"، داعيا وزارة التربية والتعليم إلى تنمية مواهب الطلاب من خلال تشجيعهم على تطويرها والاستفادة منها، لافتا إلى أنه فى حقب ماضية كان الحاصل على مجموع 50 % فى الثانوية العامة يمكنه الالتحاق بعدد من الكليات إذ كانت لديه هوايات أو مواهب مثل كتابة الشعر أو التفوق فى لعبة رياضية ما.
غياب الفن
عن الأثارالسلبية لغياب ممارسة طلاب المدارس للأنشطة الفنية والبدنية أوضحت د. سوسن فايد، أستاذة علم النفس أن أنشطة التربية الموسيقية والفنية والبدنية أحد أهم الأسس التربوبية لتخريج أجيال واعية خالية من المشكلات النفسية والمجتمعية، مؤكدة أن غياب النشاط الموسيقي والمسرحي فى المدارس سبب فى الكثير من المشكلات التى يعانيها المجتمع، قائلة: بدلا من الاهتمام بفناء المدرسة وما يتواجد به من ملاعب رياضية لكورتى السلة والقدم تخرج لاعبين موهوبين أصبح يشيد فيه مبانى لمواجهة تزايد عدد الطلاب، كما تم استبدال حصة الموسيقى بحصص دراسية أخرى وكذا الرسم، مع غياب المسرح وغرف التمثيل وحصص الخطابة والشعر، مؤكدة أن عودة حصص الهوايات والأنشطة تساعد الطالب على التفوق والتميز، إلى جانب نبذ السلوكيات السلبية التى يرفضها المجتمع من عنف أو تطرف حيث يفرغ الطالب طاقته السلبية فى ممارسة نشاطه المفضل.
من جانبها دعت الناقدة الفنية ماجدة خير الله المسئولين بوزارة التربية والتعليم بعقد اتفاقيات مع غرف صناعة السينما وقصور الثقافة لاكتشاف المواهب والعمل على تنميتها وتحفيزها، بالإضافة إلى تنظيم دورات توعوية لتغير نظرة الأهل إلى مواد الأنشطة والتى يعتبرونها مضيعة للوقت، لافتة إلى أن المدارس فىفترات زمانية سابقة ساهمت فى تخريج أجيال من الفنانيين والشعراء والأدباء بفضل المسرح المدرسي وغرف ممارسة الفنون من رسم وموسيقى، بالإضافة إلى مسابقات الشعر والرسم والتمثيل والتى كانت تستعين فيها الوزارة بمخرجين محترفين فى التليفزيون لتدريب الطلبة على تقديم المسرحياتوالأعمال الفنية.
الوزارة ترد
بعد التعرف على الأوضاع الحالية للمدارس ما عن خطة الوزارة فيما يتعلق بالنشاط المدرسى وإعادة تدريس مواد الهوايات والأنشطة الفنية للطلاب؟ يجيب على ذلك د. هشام السنجرى، رئيس قطاع الخدمات والأنشطة بالوزارة قائلا: النشاط المدرسى متواجد داخل المدارس بصورة أفضل من الأعوام الماضيةفقد تداركت الوزارة مع تولى د. طارق شوقى المسئولية القصور التى كانت تعانيها المدارس خلال السنوات السابقة وتم فتح المكتبات وتنظيم دورى كرة القدم والمسابقات المتنوعة، بالإضافة إلى مسابقة إلقاء الشعر على مستوى الجمهورية، كما أعطى الوزير تعليمات بفتح المسارح المغلقة فىالمدارس وإعادة تشغيلها وتم عقد بروتوكول مع وزارة الثقافة لفتح المسارح وقصور الثقافة لممارسة الأنشطة المسرحية لطلاب المدارس.
وعلى مستوى التربية الموسيقية قالت د. وفاء عبد السلام، مدير عام تنمية مادة التربية الموسيقية: سيتم تفعيل دور معلم التربية الموسيقية من خلال التدريبات المختلفة لتحسين الأداء والنهوض بالمادة وتفعيل النشاط لجذب التلاميذ للحضور يوميا بالمدارس من خلال الاشتراك فى المسابقات المختلفة "عزف وغناء"، لافتة إلى اهتمام الوزارة بمعلم التربية الموسيقة وإعداده جيدا وتنميته، حيث تم مخاطبة المديريات التعليمية المختلفة بإرسال أسماء عدد من معلمى التربية الموسيقية إلى الأكاديمية المهنية للمعلم لتدريبهم وتحسين آدائهم.
ساحة النقاش