"أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى, وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم, وإن تقرب إلى بشبر تقربت إليه ذراعا, وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا وإن آتانى يمشى أتيته هرولة".. ما أجمل هذا الحديث القدسى الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما، والذى رغم علم كثيرين منا به لكننا غالبا لانفهمه فهما صحيحا، وهو ما يجعلنا نتساءل: ما معنى ظن العبد بخالقه؟ وكيف نحسن الظن بربنا عز وجل؟ وما الذى نجنيه من وراء ذلك؟ فى السطور التالية سنبحث عن إجابة السؤال الأول عند علمائنا الأجلاء..

الأصل في المسلم أن يكون دائما حسن الظن بربه تعالى،وحسن الظن بالله عبادة قلبية تعنى اعتقاد ما يليق بالله من أسماء وصفات وأفعال، كاعتقاد أن الله تعالى يرحم عباده ويعفو عنهم إن هم تابوا، ويقبل منهم طاعاتهم وعباداتهم، واليقين بأنه سبحانهلايقدر إلا الخير لعباده الصالحين حتى وإن قصر عقلهم عن إدراك الحكمة من وراء ما يقضيه عليهم من أمور ومصاعب، واستمرار العمل على ما يرضيه.. وفى هذا الشأن يقول الحسن البصرى: إن المؤمن إذا أحسن الظن بربه أحسن العمل، وإن الفاجر إذا أساء الظن بربه أساء العمل، ويشير إلى ذلك أيضا ابن القيم: إن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ، ويتقبلها منه ، فالذى حمله على العمل حسن الظن ، فكلما حسن ظنه حسن عمله، فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك.. فلا يتأتي إحسان الظن.

وحسن الظن بالله هو اعتماد المؤمن على ربه في أموره كلها، وثقته الكاملة فى عدله ورحمته واطمئنانه بما عند الله من ثواب وعقاب، وأنه عندما يخطئ عن جهل أو تقصير سيكون موضع لطف ومغفرة الخالق العظيم الذى يغفر لعباده الصالحين هفواتهم وذنوبهم،ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".. وبالطبع فإن ظن المغفرة مع الإصرار على ارتكاب المعاصى ما هو إلا غرور متعمد وتكبر مرفوض وجهل مذموم ندعو الله أن يجنبنا إياهم.