كثرة تضحيات المرأة المصرية وتنازلاتها وميلها إلى العطاء بلا مقابل وسلبيتها إزاء العدوان المتكرر على حقوقها واستسلامها الغريب للقهر واعتيادها التهميش، وإهمالها التعرف إلى دينها وما يقدمه لها من حقوق وفرص وتأثرها بما يروجه ببغاوات الفقه من فتاوى العصور المظلمة، بل وهجومها أحيانا على من يتصدين لإعادة الحقوق المسلوبة، حقوقهن وحقوقها..كل هذا جعل منها ضحية سهلة ولقمة سائغة لكل الأدعياء وأعداء التطور.
إن أبغض الحلال إلى الله هو الطلاق ولكنه فى بعض الأحيان يكون الحل الوحيد أمام زوج أو زوجة استحالت عشرة زوجها، وقد يسرت الشريعة الإسلامية انفصال الزوجين الكارهين ولم ترغم الزوجة على إبداء أسباب رغبتها فى الطلاق، يكفى أن تقول للقاضى كما قالت زوجة ثابت بن قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم "إنى لا أطيقه بغضا"، ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا هجريا احترم الرسول الكريم رغبة امرأة بدوية وحكم بتطليقها فورا من زوجها على أن ترد له المهر الذى أهداه لها، ولم يكن ذلك المهر غرفة نوم أو صالون، ولا مبلغ ساهم به الزوج فى نفقات مسكن الزوجية التى هى أصلا من واجباته وحده، وإنما كان حديقة، ومن شدة إصرار بنت عبد الله على الطلاق فقد عرضت على رسول الله أن تزيد على الحديقة، ولكنه رفض الزيادة وأمر الزوج بطلاقها فورا، ولكن اليوم، وبعد أن خرجت المرأة من قمقم العصور الوسطى وبدأت تتطلع إلى الاستمتاع بحقوقها الشرعية التى حرمت منها طويلا، واستبدلت بقوانين بشرية متعسفة من صنع بعض الفقهاء، نرى من يرفض تطبيق الشريعة بحجة أن حادثة امرأة ثابت بن قيس لم تحدث سوى مرة واحدة أو مرتين!
والخلع ليس الوسيلة الوحيدة لتخلص الزوجة من زوج سيئ ولكنه حق شرعى مذكور فى القرآن الكريم والسنة حُجب عن النساء عمدا لكى ينكل بهن الأزواج السيئون كما يشاءوا، وهناك حق آخر تنازلت عنه النساء أو غفلن عنه وهو حق التطليق، أى العصمة، بشرط أن ينص ذلك فى عقد الزواج، وهذا حق شرعى لا يجوز أن يحرمها منه أحد.
أتمنى أن تختفى من حياتنا نغمة التطوع لحماية المرأة من ضعفها وشرورها وطيشها واندفاعها العاطفي.. إلى آخر تلك الهراءات التى يروجها الجهلاء، كأنما الرجل لا يعانى من تلك العيوب وأكثر!! فبعد أن أصبح تعليم الفتيات إجباريا منذ قرن، وبعد خروج المرأة المصرية إلى الحياة العملية وممارستها كافة المهن والحرف والأعمال، وبعد نجاحها المشهود فى المجالات التى كانت محجوبة عنها لأسباب واهية كالمناصب السيادية والسياسية والدبلوماسية والعلمية، وبعد أن وصلت المرأة فى عالم اليوم إلى منصب رئيسة الجمهورية ووصلت فى بلاد إسلامية إلى منصب نائبة الرئيس ورئيسة الوزراء ورئيسة البرلمان وزعيمة المعارضة.. بعد كل هذا لم يعد سائغا أن يفرض البعض حمايته عليها ويتحدث نيابة عنها وينصب نفسه محاميا عن الأسرة والمجتمع كما لو كانت المرأة المصرية لم تضح طويلا وكثيرا من أجلهما!
ساحة النقاش