كتبت : سمر عيد
خوفا على الأبناء وتطلعا لمستقبل أفضل لهم يطمع الآباء فى التحاق ذويهم بكليات القمة أو المجالات التى يمكنهم توفير فرص عمل لهم دون مراعاة رغبتهم فى الالتحاق بالكلية التى يفضلونها، فإلى أى مدى يؤثر اختيار الآباء فى مجالات دراسة أبنائهم على مستقبلهم؟ وهل يقتصر النجاح فى المرحلة الثانوية على تسجيل أعلى الدرجات لدراسة الطب أو الهندسة وغيرهما من الكليات العليا أم أنه لا وجود لما يسمى بكليات القمة؟
فى البداية يقول محمد ماهر، طالب بكلية الألسن: والدى طبيب مشهور وناجح ولديه عيادتين ومستشفى، لذا أصر على التحاقى بكلية الطب بعد حصولى على 98% فى المرحلة الثانوية بحجة أنني سأرث المستشفى والعيادتين بعد وفاته، وعلى الرغم من أنني أرى أن مهنة الطب صعبة إلا أنني وافقته على رغبته لكنني لم أستطع استكمال الدراسة بها ليصاب والدي بخيبة أمل كبيرة لكنه قدر صراحتي مع نفسي ومعرفتي لقدراتي وإمكانيتي والتحقت بكلية الألسن.
أما فريدة وائل، طالبة بالثانوية العامة، فقد تحول منزلها إلى ساحة معركة بينها ووالدتها بعد انتهائها من الثانوية العامة وتقول: مع الأسف الشديد والدتي ناظرة مدرسة خاصة كبرى وبعد انتهائي من الثانوية العامة أصرت أن ألتحق بكلية التربية حتى أتخرج مدرسة وتستطيع أن تعينني في المدرسة التي تعمل بها رغم رغبتى فى دراسة الإعلام.
ويقول وليد نور: ما أزال أذكر تلك الأيام التي كان يتشاجر فيها أبي معي كي ألتحق بكلية الهندسة حتى أصبح مهندسا مدنيا مثله، لكني لم أعترف إلا بقدراتي فأنا عاشق للطبول منذ أن كان عمري 4 سنوات، لذا قررت الالتحاق بمعهد الموسيقى وتخصصت في الطبول، وعملت في شرم الشيخ لفترة ثم تعرفت على عازف روسي عرض عليّ تكوين فرقة في روسيا فوافقت وسافرت معه لأصبح أشهر من يدق الطبول بأوروبا، وأتذكر ما كان يقوله أبي أنني لو أصبحت مهندسا سأتقاضى أكثر من 3000 جنيه في الشهر وهذا الرقم لم يعد بالنسبة لي شيئا فأنا أتقاضى 3000 يورو في الساعة الواحدة.
حرية الاختيار وتقرير المصير
تعلق د. صبورة السيد، الخبيرة التربوية، على تدخل الأسرة في تقرير مصير أبنائها قائلة: من المهم تربية الأبناء منذ الصغر على حرية الاختيار وتحمل المسئولية خاصة في القرارات المصيرية، وينبغي أن يعتبر الأولاد رأي الأم أو الأب استشاري فقط، كما أن مجموع الثانوية العامة ليس مقياسا على نجاح أو فشل الطالب في الكلية التي سيلتحق بها فكم من حاصل على 99% لم ينجح في كليتي الطب أو الهندسة وتعثر في دراسته واضطر إلى التحويل من الكلية بعدما ضاع من عمره عاما كاملا نظرا لأن أسرته لم تكن تعرف إمكانياته الحقيقية ودفعته للالتحاق بما يسمى بكليات القمة.
لن أعيش في جلباب أبي
توجه د. نفرتيتي أحمد، خبيرة التربية والتعليم أنظارنا إلى ضرورة النقاش الحر الهادف بين الآباء والأبناء عند تعبئة استمارة الرغبات، قائلة: خلقنا الله تعالى مختلفين في القدرات والميول، لذا إن لم تكن لدى ابني أو ابنتي رغبة في الالتحاق بكلية معينة عليّ أن أطرح عليهما اختيارات متعددة وأتركهما يحددان مصيرها مع إعطاء النصائح التى تساعدهم فى ذلك دون التأثير عليهم، وأنا أحترم أي طالب أو أية طالبة يرفعان شعار لن أعيش في جلباب أبي ويعرفان قدراتهما جيدا.
إمكانيات وقدرات
يرى د. أحمد البهي، الأستاذ بكلية التربية النوعية بجامعة المنصورة، أن اختيار الكلية المناسبة مسألة متعلقة بإمكانيات الطالب وقدراته ويقول: من الضروري تربية الأطفال منذ الصغر على اكتشاف مواهبهم وقدراتهم وهذا دور الأسرة والتعليم ما قبل الجامعي، فالمدرسة هي التي توجه أنظار الطالب وتسلط الضوء على تميزه في مجال دون الآخر، وأرجو ألا يتحول هذا الموضوع إلى صراع داخل البيوت المصرية بحجة اختيار دراسة توفر فرص عمل بعد التخرج فالله تعالى هو الذي يرزق الشخص وليس تخصصه، فكم من طالب أنهى كلية الصيدلة وعمل مندوبا للمبيعات، وكم من طالب تجارة اجتهد ونجح حتى أصبح رجل أعمال ،ولا تقاس الحياة بالفلاح في كليات القمة من عدمها.
كليات القمة .. خرافة
يقول د. إسماعيل الفقي، أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة عين شمس: كليات القمة والندم وعض الأصابع على عدم الالتحاق بها ما هي إلا خرافة، فلا يوجد شيء اسمه كليات قمة، ومجموع هذه الكليات مرتفع نظرا لإقبال الناس الشديد عليها اعتقادا منهم أنها ستحقق وظيفة ومصدر دخل كبير للطالب بعد تخرجه، وهذه خرافة فإذا لم يكن لدى الطالب إمكانيات مادية تساعده على فتح عيادة خاصة مثلا إذا التحق بكلية الطب، أو لديه شبكة معارف تسهل له العمل في مستشفى كبرى فإنه سيتقاضى راتبا ربما أقل من خريج التجارة الذى يعمل محاسب في بنك، أما أن يتحول الموضوع إلى مسألة قهر نفسي من قبل الآباء لإجبار الأبناء على إعادة الثانوية العامة للحصول على مجموع أعلى يؤهله للالتحاق بمثل هذه الكليات أو محاصرته والضغط عليه للالتحاق بها إذا كان مجموعه يتيح له ذلك فهذا يؤدي إلى كبت لدى الطالب قد يترجم إلى عنف فيما بعد داخل الجامعة أو خريج ضعيف فى تخصصه، ومن الأهمية التوفيق بين ما يتطلبه سوق العمل ومجالات الدراسة حتى لا يكون لدى أطباء ومهندسين عاطلين عن العمل.
كارثة اجتماعية
تقول د. سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس: كانت الأسر المصرية في منتصف القرن الماضي تسعى جاهدة كي يلتحق أحد أبنائها بكلية الحقوق حيث كان يعين قاضيا أو وكيلا للنيابة ويحصل على لقب بك، وكان الالتحاق بهذه الكلية حلم كل الشباب، لكن الآن أصبحت كلية الطب والهندسة والصيدلة هي حلم كل الأسر المصرية وكأن كل المصريين لابد أن يصبحوا أطباء ومهندسين وصيادلة وهو ما يعد كارثة اجتماعية بكل المقاييس حيث تتشاجر الكثير من النساء مع أزواجهن كي يدفعوا تكاليف جامعة خاصة إذا لم يحصل أبنائهن على المجموع المناسب للالتحاق بهذه الكليات، بل يتطور الأمر في بعض الأسر إلى الشجار من أجل إرسال الطالب أو الطالبة كي يكمل دراسته بالخارج كي يلتحق بإحدى كليات القمة المزعومة، الأمر الذي يكبد بعض الأسر المصرية القادرة ماديا تكاليف تعليم جامعي باهظ جدا، ويصيب البعض ممن ليس لديهم الإمكانيات المادية للالتحاق بهذه الكليات بالإحباط، لذا يجب منذ وصول الطالب إلى المرحلة الثانوية أن أوجه نظره إلى عدة بدائل واختيارات وليس وفقا لإمكانية العمل لكن حسب إمكانياته.
ساحة النقاش