بقلم : إقبال بركة
قصة حب رائعة وواقع حقيقى لا شك فيه، تؤكد أن الحب » كيوبيد « مازال يحلق بجناحيه فوق رءوس العشاق، ومازال ملكا متوجا على عرش مملكة الأحاسيس الصادقة، أشهر قصص الحب التى خلدها الزمان لم تستمر أو لم تكتمل مثل الأولى انتهت ،» قيس وليلى « وقصة ،» روميو وجوليت « قصة بموت العاشقين، والثانية بفراقهما
أما قصتنا فقد استمرت لمدة ٥٦ عاما، إنها قصة حب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وزوجته الفرنسية سوزان.
كان لقاؤهما الأول وسط سيمفونية من هدير المدافع وصفارات الإنذار التى تنشر الرعب من الموت العشوائى في الحرب العالمية الأولى، شاب مصرى حاصل على أول دكتوراه من الجامعة المصرية )جامعة القاهرة اليوم( عام ١٩١٤ الشاعر العربى » فى ذكرى أبى العلاء « وموضوعها الكفيف، وشابة فرنسية تبحث عن عمل لتعول نفسها، جاء د. طه إلى مدينة مونبيلييه بفرنسا الفلسفة « لكى يحصل على دكتوراه ثانية فى فإذا بالقدر ينسج ،» الاجتماعية عند ابن خلدون له قصة أخرى مع الشابة الفرنسية الرقيقة التى رشحت لتقرأ له الكتب الفرنسية المقررة عليه في الجامعة، كل الفوضى الصاخبة أثناء الحرب العالمية الأولى لم تقف حائلا بين الشابين ومشاعرهما الصادقة، ولا أن تحول بينهما وعاطفة الحب، فتزوجا بعد عامين من لقائهما ثم أنجبا صبيا وصبية، ورغم الاختلاف بينهما في كل شىء، فهو مصرى وهي فرنسية، هو مسلم وهي مسيحية، هو كفيف محروم من نعمة البصر وهي مبصرة، وإن أكرمها الله بنعمة أكبر هي البصيرة، فلم تقف كل تلك العوائق في طريق العاطفة الجياشة التي حملها كل منهما تجاه الآخر، كانت هي النور الذي قاده وأضاء طريقه إلى النجاح والتفوق وإلى التميز والمناصب العليا فحصل على الدكتوراه وعين أستاذا بالجامعة ثم عميدا لكلية الآداب بجامعة القاهرة ثم وزيرا للمعارف )التربية والتعليم(، إنه الحب الصادق الذي يمتطى السحاب ويحلق في الأفق ويخلد أسمى العاشقين، فهل يمكن أن تتكرر هذه القصة في زمن الصداقات الافتراضية والتواصل التكنولوجى؟
في زمن أصبحت فيه المادة هى الهدف الأسمى للشباب والثراء هو المطلب الأول للجميع! بعد وفاة الدكتور طه حسين رفضت سوزان أن تغادر مصر إلى بلدها الأول فرنسا، رغم توسلات ابنهما مؤنس وابنتهما أمينة اللذين يعيشان في فرنسا، وبقيت فى مصر وفى نفس البيت الذى جمعها بحبيبها تأتنس بالذكريات وتدون ما استطاعت ذاكرتها أن تحتفظ به من أحداث الماضى، ثم نشرتها فى كتاب أعطته » الأيام « عنوانا مشابها لعنوان أشهر كتبه تلك هى قصة عميد الأدب ،» أيام معك « بعنوان العربى د. طه حسين وزوجته الرائعة سوزان اللذين كرمتهما السينما المصرية بفيلم ناجح من إخراج محمد فاضل، ومسلسل فى التليفزيون من إخراج المخرج » الأيام « المصري بعنوان الراحل يحيى العلمي وتأليف الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن.
فهل تتكرر مثل هذه القصة اليوم؟ أشك فى ذلك.
ساحة النقاش