اشراف : أميرة إسماعيل - سماح موسى – شيماء أبو النصر – ابتسام اشرف – أمانى ربيع
يلقى الكثيرون اللوم على "السوشيال ميديا" وما أتاحته من انفتاح على ثقافات عديدة قد تختلف مع عادات وتقاليد المجتمع المصرى فى تراجع القيم والأخلاقيات بين طائفة لا بأس بها من أفراد المجتمع خاصة وأنها تعرض نماذج لا ترقى إلى أن تكون قدوة لغيرها وتروج لعبارات وألفاظ غريبة على المصريين، ما جعلها تحولت من ساحة للتواصل وإبداء الرأي إلى مجال للتنمر والكذب والادعاء وإثارة الجدل والشائعات وغيرها من السلوكيات السيئة التي تهدد قيم المجتمع وأفراده.
"حواء" تحاول التعرف من خلال تجارب بعض المواطنين على مدى تأثير مواقع التواصل السلبي في حياتهم والمحيطين بهم، وتحاور المختصين لمعرفة أبعاد هذا التأثير وكيفية تجنبه.
تحكي غنوة. م، مدرسة عن شقيقتها الصغيرة التي حولت مواقع التواصل حياتها إلى جحيم بسبب متابعة "الإنفلونسرز" والمشاهير عبر هذهالمواقع وإدمانها نمط وأسلوب حياتهم، ومحاولتها التشبه بهم، ووصل الأمر إلى كذبها على زملائها وأصدقائها حول مستوى معيشتها وطريقة حياتها، ولمجاراة ذلك بدأت في استخدام نقود الدروس الخصوصية لشراء ملابس ثمينة والخروجات المستمرة ما تسبب في رسوبها في مادتين بالصف الثالث الثانوي، والمشكلة أنها لا تشعر بأنها مذنبة وتتذمر باستمرار من حياتها الحقيقية.
أما مرام. هـ، طالبة بكلية التجارةفقد عانت التنمر على مواقع التواصل عندما كانت تنشر صورها، وكانت زميلاتها في المدرسة يسخرن من سمنتها ويعتبرن الأمر "هزار"، وكانت تحزن بشدة وتحاول أن تتعامل بصورة عادية حتى لا تخسرهن، لكن بسبب ذلك عانت اضطراب الطعام وأصبحت تتقيأ باستمرار، وعندما حاولت مواجهتهن أخبرنها بأنها "دراما كوين" وتحول الموضوع لأزمة بلا داعي وبدأن في نشر كلام سيئ عنها باعتبارها مصدر للطاقة السلبية وتريد لفت الانتباه، تقول: "دمروا نفسيتي دون شفقة"، وبسبب معاناتها اضطرت للذهاب على طبيب نفسي لتخطي الأزمة.
وترى لبنى كريم، "مونتير" أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بصورة كبيرة على احترام الآخرين، بمعنى أن عدم وجود رقيب على ما يكتبه المستخدمون يجعلهم يبالغون في تعليقاتهم المسيئة، مشيرة إلى أن الأمر يصل إلى حد التطاول على المؤسسات الدينية والشخصيات العامة والكثير من الرموز والأحداث التاريخية، ويرددون كلامًا محفوظًا دون وعي، والمشكلة أن هذا السلوك ينتشر بصورة كبيرة، لأن أصحاب التعليقات المسيئة يعلمون أنه لا يوجد عقاب.
أما محمد عبد الستار، "موظف"فيرى أن بعض الناس يفهمون مواقع التواصل بشكل خاطئ، بحيث اختفت خصوصية البيوت وأصبحت تفاصيل حياة الأسر مشاعًا للآخرين تأثرًا منهم بالمشاهير، فنجد الأبناء يصورون أمهاتهن أثناء طهي الطعام دون علمهن لمجرد الحصول على تعليقات وعدد "لايكات" أكبر أو المزاح بشكل سخيف مع الأصدقاء لتحقيق الشهرة والتحول لـ "تريند".
ويتفق محي جابر، 37 مهندس بترول معه، مضيفًا أن السوشيال ميديا خلقت مشكلة كبيرة تمثلتفى عدم الرضا، فكثير من الناس بسبب متابعة المشاهير والأغنياء وطريقة مأكلهم وملبسهم جعلتهم غير راضيين عن حياتهم ويكرهون أنهم لا يستطيعون الحياة في قصر فخم أو ركوب سيارة فارهة أو ارتداء ملابس ثمينة، وهو الأمر الذي يدفعهم للقيام بأي شيء لكسب المال حتى لو بنشر محتوى رخيص يكذبون فيه.
انتهاك الخصوصية
يعلق د. أمجد مصيلحي، أستاذ علم الاجتماع على تأثير مواقع التواصل الاجتماعى على قيم المجتمع قائلا: تحولتتلك المواقع من مساحة للتواصل مع الآخرين إلى مجال للادعاء والكذب ونشر الأفكار السيئة، وجعلت الكثير من الناس يفقدون بوصلتهم في التمييز بين حرية التعبير والتعدي على حقوق الآخرين، ونرى ذلك في موجات التطاول على المشاهير وكتابة تعليقات مسيئة رافعين شعار حرية التعبير، بينما الأمر في حقيقته وقاحة ويقع تحت بند التنمر الإلكتروني بسبب عدم وجود رقيب على ما يكتبون.
ويضيف:تدفع مواقع التواصل الناس لإصدار الأحكام بناء على العواطف دون تحكيم العقل ونرى ذلك في التعاطف مع المجرمين رغم بشاعة جرائمهم بل والتبرير لهم، ويساهم الجدل الذي يحدث في إحداث زعزعة للقيم لأن الكل يكتب دون وعي والبعض يكرر كلاما محفوظا قد لا يفهمه أصلًا، مشيرًا إلى أن عدم وجود قوانين لتنظيم وضبط استخدام مواقع التواصل خلق مساحة لبعض الجهلة للتأثير على الآخرين خاصة مع سهولة وصول المحتوى السيئ لعدد كبير في مدة زمنية محدودة.
ويستطرد: من أخطر تأثيرات مواقع التواصل على الأخلاق، هي عدم احترام خصوصية البيوت والخلط بين العام والخاص، فأصبحت أدق تفاصيل الحياة الشخصية تناقش على الملأ، كذلك انتشار ما يعرف بصناع المحتوى و"الإنفلونسرز" خلق وهم نمط الحياة الزائف والكسب السريع بحيث أصبح طموح بعض الشباب بدلًا من العمل بجد في المذاكرة أو في الوظيفة أن يبتكروا فكرة مهما كانت تافهة لتحقيق الشهرة على مواقع التواصل وتستضيفهم البرامج ويصبحوا نجومًا في المجتمع، لذا انتشر في المجتمع نجوم زائفة ينشرون أفكارهم المسيئة والمشوهة بين الشباب والمواطنين.
هوس الشهرة
تشير أمنية عزمي، أخصائية الصحة النفسية والعلاقات الأسرية إلى أن مواقع التواصل تخلق لدى الناس هوسًا بالشهرة وتعاطفًا كاذبًا مع قيم مرفوضة، وتقول: يمتلك البعض القدرة على الكتابة الجاذبة وقد يستخدمون معلومات زائفة وسط الحقيقية لخلق صورة مضللة عن شخصية ما أو حدث تاريخي يجعل نسبة كبيرة من الناس تعتبرهذا الكلام حقيقي دون أن تبحث بنفسها عن حقيقة الأمر، وتحولت السوشيال ميديا إلى مصدر للمعرفة وهذا أمر خطير، ويجب أن يتعلم الناس كيف يفرقون بين الحقائق والأخبار الكاذبة والمضللة.
وتتابع: ساهمت مواقع التواصل بصورة كبيرة في ترويج الشائعات خاصة في أوقات الأزمات، وأثرت فى نظرة المراهقين تجاه أنفسهم ورغبتهم فى تحقيق ثراء سريع أو ادعاء حياة كاذبة، حتى أن البعض يفتعل مواقف لمجرد كسب التعاطف، وكثير من علاقات الحب والرومانسية أصبحت مواقع التواصل مرجعيتها، وبعض الفتيات ينهين خطبتهن لأن العريس لم يشترِ لها هاتفًا ثمينًا كما ترى على "الجروبات" والصفحات النسائية بمواقع التواصل، كذلك تعلم الحسد لأن البعض يروى آخرين يعيشون حياة جميلة يسافرون ويذهبون لأرقى المطاعم دون أن يعرفوا كواليس هذه الحياة فيشعرون بالكره تجاه هؤلاء الأشخاص، كذلك تروج مواقع التواصل لحياة الرفاهية وأسلوب المعيشة السطحي دون أن يعرف الناس معنى الحياة الحقيقية ففي النهاية السوشيال ميديا برواز وهمي يختفي وراءه الناس ويسمح لهم بقول وادعاء أمور مزيفة لأنه لن يكشفهم أحد.
ساحة النقاش