هل للعنف وطن أو زمان؟ .. بالطبع لا ، فالعنف لا يمكن أن يرتبط بمكان أو زمان ، بل يتخذ أشكالاً عدة ومظاهر مختلفة.
ولكن هل نال العنف من أطفالنا وأصبح ظاهرة ؟! ربما ، ولكن من المسئول عن هذا العنف الذى أصبح يهدد مجتمعنا ، ويمارسه الأطفال ضد بعضهم البعض ، ويودى بحياتهم؟
هل حقاً أن الرسوم المتحركة وافلام الكرتون هى المسئول الأول عن ظاهرة عنف الأطفال، كما أكدت دراسة أمريكية حديثة، أن ما يتلقاه الطفل عبر الشاشة الصغيرة هو المسئول الأول عن صياغة سلوكه تجاه المجتمع والناس، وأن ما يشاهده الطفل الذى يتراوح عمره ما بين عامين وخمسة أعوام من صور عنيفة يصبح اعتبارا من سن السابعة وحتى العاشرة أكثر عنفاً مقارنة بأقرانه ممن لا يتعرضون لمثل هذا العنف المرئى، وقد سجلت الدراسة أن 184 صبيا و 146 فتاة شاهدوا جميعهم أفلاما ورسوماً متحركة ، وتبين فيما بعد أنها ولدت لديهم ميولاً عدوانية فى مرحلة لاحقة من حياتهم ، وقد أكدت الدراسة على أن الطفل الذى يشاهد برامج تنطوى على مشاهد عنف قبل سن المدرسة تكسبه سلوكاً عنيفاً وعدوانياً تجاه المجتمع ، بل ويتمثل فى التمرد وعدم طاعة الأوامر فى المدرسة فيما بعد.
ولكن هل الرسوم المتحركة هى الوحيدة المسئولة ؟ أم التركيز على مشاهدة أفلام العنف «والأكشن» التى تسيطر على دور العرض فى كافة أنحاء العالم تعتبر أيضاً مسئولة عن هذه الحالة من العنف، حيث يقوم الأطفال بمحاكاة وتقليد أبطال الأفلام الذين يتعلقون بهم ، ويتخذونهم مثلاً أعلى وقدوة لهم فى حياتهم فيقلدونهم فى كل شئ حتى فى مشاهد العنف التى تحتويها أفلامهم!
فى السنوات الأخيرة أصبحنا نسمع كثيراً عن العنف الذى يمارسه الأطفال بعضهم مع بعض فى المنازل والمدارس والنوادى والشوارع حيث يكون العنف فى قمته فى سن المراهقة ، وهى السن التى يحدث فيها تغييرات فى الهرمونات وغير ذلك من العوامل الفسيولوجية فى جسد الإنسان وتركيبته ، وأحياناً ترجع هذه الظاهرة إلى مرض عضوى، أو خلل أو ضعف أو سوء تغذية ، أو نتيجة السهر أو القلق الشديد أو الحياة المنغلقة والعزلة عن المجتمع ، مع عدم وجود نشاط يستنفد طاقاته أو قسوة الوالدين المفرطة فى التعامل معه، أو غياب الوالدين الطويل أحدهما أو كليهما مما يؤدى إلى حرمان الأبناء من العطف والحنان والتوجيه، أو الغيرة الشديدة من الآخرين يولد لديه مشاعر الكراهية أو الانتقام أو التدليل الزائد وإجابة كل رغباته ، إلى آخره من الأسباب ، فكما يقولون تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، عنف مدمر يؤدى إلى كارثة أو مأساة درامية فى نهاية المطاف.
الحقيقة أن المتخصصين يرفضون إرجاع سلوك العنف لدى الأطفال إلى عامل واحد بعينه ، حيث يرون أن العامل الوراثى قد يلعب دوراً فى نقل صفات وخصائص الجينات الوراثية إلى الأبناء من الآباء والأجداد، أو نتيجة زيادة افراز الغدة النخامية ، وما يترتب عليه من انفعال زائد وسلوك عدوانى واضح، بينما يرجع البعض العنف لدى الأطفال ، وما يترتب عليه من ارتكاب جرائم فى بعض الأحيان إلى العوامل البيئية والتنشئة الاجتماعية ، وما يكتسبه من خبرات القسوة والعنف من الوالدين أو المحيطين بالطفل ، ولا ينسى المتخصصون ظروف التربية والدراسة والظروف الثقافية ومكوناتها من العادات والتقاليد والقيم وغيرها من العوامل التى تؤثر على الحالة النفسية للطفل ، وتدفعه لأن يكون عدوانيا تجاه نفسه وتجاه الآخرين ممن حوله.
فالعنف لدى الأطفال كما يؤكد المتخصصون سلوك مكتسب يتعلمه من البيئة مثل الوالدين والأقارب والمدرسة والاصدقاء ووسائل الأعلام والبرامج الموجهة للأطفال خاصة الكرتون ، حيث اثبتت الدراسات إلى أن 50% من سلوك الطفل يتشكل فى الخمس سنوات الأولى و 75% عند بلوغه 8 سنوات و 95% فى سن الثامنة عشرة.
لقد بات الأمر خطيرا خاصة بعد تزايد حالات العنف بين الأطفال تجاه بعضهم البعض مما يودى بحياة أحدهم أو كليهما ، وهو ما يدفعنا للتحرك سريعاً وبجدية للحفاظ على أطفالنا ، فهم ثروة الأمة وعماد مستقبلها ، ورعايتهم والاهتمام بهم والحفاظ عليهم مسئولية المجتمع بأكمله ، الوالدين والمدرس والنادى والجمعيات والمنظمات المحلية والعالمية ، وذلك بتنشئتهم تنشئة صحيحة ثقافيا وتربوياً واجتماعياً .
ساحة النقاش