انحرف بسيارته فى أحد الطرق الجانبية المتفرعة من طريق الكورنيش وبعد أن قطع بها مسافة قصيرة ركنها بجوار الرصيف ولم يلبث أن أوقفها وفتح بابها منها وسار بخطوات سريعة نحو القهوة المطلة على البحر...

اتخذ له مكانا فيها وطلب من النادل أن يحضر له كوبا من الشاى واثناء ارتشافه له أخذ يتابع باهتمام حركة الشاحنات والسيارات وهى تغدو وتجىء... والمصيفين العابرين للطريق والسائرين بمحاذاة السور المطل على البحر ... منتصف يوليو قلب الصيف وعنفوان شبابه .

المياه الزرقاء والأمواج المحملة بالزبد الأبيض فى بحر الأسكندرية الكبير تبدو أمام عينيه فى أروع لوحة ابدعها .. ومع تدفق الأمواج تدفقت داخل ذاته موجات من المواقف والأحداث والصور التى مرت عليه من خلال أيام وشهور وسنين مضت من عمره وكان أولاده الثلاثة حسام وحسن وحسين وزوجته شهيرة يشاركونه فيها .. غمغم فى نفسه متأثرا ..

«ياه ياحامد أوقات الونس الحلوة راحت وفاتت زى الحلم الجميل وشهيرة مراتك سابتك وسابت الدنيا ورجعت بروحها لخالقها من أكثر من سنتين .. وأولادك التلاتة اتجوزوا وكل واحد منهم انشغل ببيته وعياله .. وده أول مصيف تقضيه لوحدك ... والقهوة دى ياما قعدت عليها انت وهمه .. فى كل مرة كنا بنيجى فيها اسكندرية .. مافيش سنة كانت بتعدى علينا من غير ما نصيف .. وأول سنة صيفنا فيها كانت فى شقة فى ابوقير ايامها كنت باشتغل مهندس فى مصنع غزل موجود فى مدينة بالصعيد .. ما كانش ابنك حسين أتولد وماكنتش اشتريت عربية لسة .. وكنا دايما بنستعمل القطر بتاع ابوقير فى المرواح والمجى .. وبعد كده لا اشتغلت فى مصنع بحلوان وسكنت أنا وعيلتى فى المعادى كنا بنصيف كل سنة فى مكان جديد .. مرة سيدى بشرى .. ومرة تانية فى ميامى وتالتة فى المندرة وفى استنالى ومخلناش ولا بلاچ إلا لما نزلنا فيه .. ولا مكان فيكى يا عروس البحر الأبيض إلا لما استمتعنا بأحلى الأوقات .. وكانت شهيرة هى البسمة اللى بتطل علينا والونيسة المليانة حب لينا .. والقلب الكبير اللى بيحاوطنا ويراعينا ...

ياه ياحامد أول مرة تقعد فيها فى المكان ده بتص للبحر من غير ما تكون هيه معاك بلحمها وشحمها ولا أولادك التلاتة اللى كانوا بيملوا الدنيا عليك فرح وهنا ...» .

وصحا حامد من ذكرياته على حركة بالقرب منه .. رأى على أثرها شابا أنيقاً وامرأة شابة جميلة ومعهما أولادهم الثلاثة صغار السن يجلسون متحلقين حول منضدة قريبة من منضدته .. وقد قام النادل بتلبية طلباتهم .. مشروبات مثلجة للأم وأولادها أما الزوج فنجان قهوة وبورى .. وبعد أن فرغ من تناول القهوة شرع فى سحب عدة أنفاس متلاحقة من البورى.

اختلس حامد نظرة سريعة لكنها فاحصة مدققة للأسرة التى جلست بالقرب منه .. وانزلق بخياله إلى أيام شبابه وشباب شهيرة وأولاده وهم صغار.. وتحلقهم حول منضدة فى هذا المقهى وتعجب حامد من دورة الزمن والأيام .. لقد رحلت ونيسته وصاحبته شهيرة ويوما من الأيام سوف يلحق بها ..

وكذلك هذا الشاب وزوجته سوف تدور الأيام ويكبران ويتقدمان فى العمر ويزوجان أولادهم .. وهكذا دواليك .. يذهب جيل ويأتى جيل وترحل حياة وتولد حياة..

واحس بسخونة دموع انسابت من عينيه على خديه فمد يده بسرعة ومسحها وتمتم فى سره..

«كفاية عليك ياحامد أوقات الونس اللى عشتها مع شريكة عمرك اللى أنت حبيتها وهية حبيبتك..».

 

 

المصدر: فوزى وهبة - مجلة حواء
  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 691 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,868,879

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز