رغم قسوة الظروف والطغيان المادى الحادث اليوم فإن هناك قلوبا مازالت تحيا بيننا كأنها بارقة أمل فى غد يأتى حاملا راية الحب مدافعا عن هذه القيمة النبيلة السامية التى تملك القلوب وتصبح ذات سلطان عليها تلعب دورا في تحديد مقادير الأمور، تتدخل كثيرا لتهون أمامنا المصاعب الكثيرة لأن الانسان خلق لكي يحيا مع غيره من بني جنسه يبحث عن أخيه يكون ملجأه وملاذه وقت أزماته، إنه الحب الذي لا يزال يجري في عروقنا نتمسك به نتمني أن يفيض ويملأ العالم بهجة وتواصلا، كان هذا التحقيق للاقتراب من قلوب تحمل بريقا خاصا لأنها ببساطة مازالت تبغي الحب .

- فى البداية تسترجع إيمان أرملة من محافظة أسيوط أجمل ذكرياتها تقول: تزوجت عن حب واقتناع كامل بزوجى محمود رحمه الله عشنا معا فرحة اللقاء الأول، حديث العيون الذى لا يعرف الصمت.. الحوار ممتد بيننا منذ اليوم الأول تقاسمنا الحياة بحلوها ومرها تخطينا كل العقبات التى تعترض أى زوجين فى بداية حياتهما، عشنا معا خمسة عشر عاما مرت سريعا وفجأة قررت الدنيا أن تعطى لنا ظهرها معلنة عن وجهها الآخر زوجى سقط صريعا دون أى مقدمات لمرض، الصدمة افقدتنى الوعى نقلت على أثرها للمستشفى ظللت بها لمدة شهر وأنا لا أدرى ماذا حدث لا أستطيع استيعابه لم أصدق اننى لم أره ثانية، هذا الكيان الذى يجرى فى عروقى مجرى الدم يمنحنى احساس الوجود اتلمس من خلاله كل تفاصيل الحياة عشت تائهة لكننى لم أترك بيتى أو البلدة التى تزوجت بها وهى إحدى مراكز محافظة سوهاج على الرغم أنها ليست محافظتى صممت أن يظل بيت الرجل الذى منحنى كل شئ مفتوحا خاصة إننا لم نرزق بأولاد، من يصدق أنها لم يفارقنى لحظة واحدة أعيش معه بدمى، وكيانى مازال ينبض داخلى أحدثه أخذ رأيه فى أى شئ كما كنت أفعل دائما انظر لصورته الكبيرة الموجودة بالصالون احتسى معه شاى الخامسة، كما كنا معتادين عليه وحينما افعل كل هذا أشعر فقط أننى قوية صامدة لمواجهة حياتى وحيدة دون سند أو ولد يأخذ بيدى لكننى أقوى بكثير بالحب الذى عرفه قلبى وذاقته أيامى ولون حياتى بنظرة واسعة تمتد لتشمل الكون بأسره.

اتخذت من الحب نبراسا لي

- وننتقل لنموذج آخر من نماذج العطاء الإنسانى المتفرد فى درجة وشكل العطاء .. إنها جهاد تلك الفتاة الصعيدية التى اتخذت من الحب نبراسا والعطاء والتفانى منهجا تسير عليه فى دروب حياتها التى قررت أن تحياها بدون زواج لخدمة والدتها المريضة أقعدها المرض لدرجة أصبحت تعتمد عليها فى كل دقائق حياتها وأسلوب تيسير معيشتها تلك الفتاة التى تجرى هنا وهناك مثل فراشة جميلة بين إخوانها الخمسة لكنها هى الأكثر احساسا ورقة فى تعاملها مع والدتها لا تستطيع العيش بدونها نحت حياتها جانبا لم تذكر شيئا سوى أمها واحتياجها لابنتها فى مثل هذه الظروف لم تستطع جهاد أن تعرضها لأى مضايقات من أى ممرضة أو جليسة خاصة أن هذه المهنة غير منتشرة بالصعيد فلابد من تفرغها لها بجانب عملها بإحدى الحضانات انها كيان متحرك من العطاء والحب الذى يطرق أبواب القلب يجعل منه متسعا يشع على كل من حوله صفات جميلة تصارع بها الحياة لم تمتلك شيئا سوى أن قدمت حياتها ووقتها لوالدتها .. وضعت قلبها بين كفيها تهديه على طبق من ذهب لأنها الحبيبة فى صورة رائعة من صور بر الوالدين وأرقى نوع من الجهاد.

مهنتي محبوبتي

- وتواصل مديحة الدميرى «محامية» معنا ملحمة رقى المشاعر الى حب من نوع خاص عشق مستمر تبادل بينها وبين مهنتها تقول: تمنيت طوال حياتى ومنذ نعومة أظافرى أن أكون محامية هذا العمل الذى يشرف به أى إنسان حلمت كثيرا بالروب الأسود ذلك الوشاح التى يلتف حولى أشعر معه أنه يمنحنى أحاسيسا متداخلة من قوة وسعادة ودفعة قوية لأعطى وأقدم أكثر وأكثر تلك المهنة التى اخترتها بكامل إرادتى رغم ما يراه البعض أنها صعبة أو غير مناسبة للمرأة خاصة فى الصعيد فهو ليس مجرد عمل يتقاضى عنه المحامى أجرا بل لابد من وجود خيط رفيع يلمس الانسان يجعله متشبثا بالحياة وهو الحب الذى يمنحنا التواصل ويمثل خط الدفاع الداخلى لصد أى هجوم على ذاتنا ومقاومة أعداء النجاح.

وتعبر «حنان» من مركز البلينا بسوهاج عن حالة الحب فى حياتها المتمثلة فى أبناء زوجها الأربعة قائلة : تزوجت عن اقتناع وتروى شديدين بعد طلاقى بسبب عدم قدرتى على الانجاب من أرمل لديه أربعة أطفال عاهدت نفسى منذ اليوم الأول لحياتي معهم أن أكون أما ثانية لهؤلاء الأبناء الذين تشعر بمجرد النظر إليهم بالحزن يرتكز فى عيونهم لفقدهم جناح الحب والحنان في حياتهم كنت أشاركهم تفاصيل حياتهم من لعب ومرح ومذاكرة وهوايات من يريد أن يرسم ويطلب منى مساعدته والثانية التى تناجى عروستها وهكذا عشت معهم أجمل حياة، لقد عوض الله سبحانه وتعالي عن حرماني بالأمومة وعن بشاعة حياتى الأولى كما كانت مظلمة جافة دون أى مشاعر مضيئة كل من يرانا أنا وأولادى لا يصدق قدر الحب المتبادل بيننا لأن المسألة تتلخص أن هناك شخصا لديه القدرة على العطاء وحب الخير، لابد لنا أن نتجرد من مشاعر الأنانية والذاتية نتخذ من الموضوعية أساسا لحياتنا وأن يقدم الانسان عملا يفخر به يكون لحياته هدف ومعنى يعيش من أجله.

المصدر: حميدة سيف النصر - مجلة حواء
  • Currently 62/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 1674 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,811,857

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز