الجماعات المؤثرة كثيرة وعلى الأهل البحث عن دور لا أصدق أن هذا الرافض المشاغب هو نفسه الملاك الصغير البريء الذي ربيته بنفسي وأشرفت علي كل صغيرة وكبيرة في حياته لقد أصبح وهو لم يتجاوز الثانية عشر وكأنه غريب عني فماذا سيحدث عندما يصبح شاباً.
كانت هذه وباختصار شكوى أم عبرت وببساطة عن مشكلتها هى والعديد من الأمهات مع الأبناء الصغار الذين صاروا غرباء والرافضون لكل شئ لمجرد الرفض.
وحول تجارب الأمهات وكيفية التعامل مع الأبناء الصغار؟ كان هذا التحقيق.
البداية مع السيدة سوزان عادل حيث قالت انفصلت عن زوجى وأنا حامل ولهذا خصصت كل وقتى لابنى الصغير لأنه أفضل ما خرجت به من تجربة زواجى الفاشلة وأشرفت على كل شئ فى حياته بنفسى وكان مطيعا هادئا وإذا أخبرته أننى سأزعل منه إذا لم يسمع كلامى يظل يبكى حتى أرضى عنه لقد كان أكثر أدبا من بنات أشقائى حتى وصل إلى الصف السادس الابتدائى وتغير تماما لا أنكر أنه منذ دخل المدرسة وهو أصبح أكثر شقاوة عما مضى لكن كان لايزال يحترمنى ويخافنى ويخشى زعلى لكن الآن لا يهمه أى شئ بل يعترض على كل شئ أحيانا أشعر أننى لا أعرفه وأنه صورة مصغرة من والده الذى انفصلت عنه منذ سنوات ويعمل بالخليج ولا يراه إلا فى الاجازات لا أعرف كيف أو متى تغير مشكلتى أنه تغير وأنا رافضة لقبوله بوضعه الحالى وهو رافض أن يرجع لما كان عليه.
تتفق معها سلمى السيد - موظفة قائلة:
لا أعرف ماذا يحدث للأولاد فى المدرسة فأنا عندى ثلاثة أولاد ذكور أكبرهم فى الإعدادية وللأسف أجد صعوبة كبيرة فى التعامل معهم وفى نفس الوقت لا أشكوهم لوالدهم خوفا من أن يعاقبهم أو يضربهم لأنه لا يعرف التفاهم ولم يتعود أن يجلس ويسمعهم دائما يأمر وهم ينفذون لكن الآن أصبحوا يكبرون دماغهم وعندما أهددهم بأننى سأخبره لا يهتمون ومشكلتى أن الأصغر بدأ المشاكل أسرع من شقيقه لأنه يراهم يتعاملون معى بعنف فيأخذ منهم وبصراحة المسألة صعبة لأننى كأم ألاحظ أن الأولاد يبتعدون عنى يوما بعد يوم وكأنهم غرباء أطعمهم وأكسوهم لكن لا يهتمون بما أريده أو ما يغضبنى وزوجى أبعد الناس عن مشاكلنا.
تختلف معها السيدة إيمان كامل - موظفة - أنا وأولادى أصدقاء منذ طفولتهم أعطيهم قدراً من الحرية متزايداً فى كل مرحلة وأستوعب أنهم يريدون أن يكون لهم شخصية وأن زملاءهم يؤثرون فيهم وأن ابنى الذى ربيته طفلا لن يظل طفلاً طوال الوقت ويجب على أن أستوعب ذلك وأتعامل معه بحرص حتى لا يتمادى فى الاغتراب عنى وأذكر أن ابنى الأكبر وهو فى الصف الثانى الإعدادى رفض أول أيام العيد أن يذهب معنا فى زياراتنا العائلية بدعوى أنه لا ينسجم معنا وأنه مرتبط مع أصحابه لكننى وببساطة أخذت قرارا لا نذهب جميعا لأى مكان إما أن نذهب كعائلة أو نقضى العيد فى البيت كعائلة وطبعا اضطر للذهاب معنا وفى اليوم الثانى أخبرته بسماحى له بالخروج مع أصدقائه فمن المهم أن نعلم أبناءنا أنهم شركاء معنا فى البيت وليسوا ضيوفا فيه وأن العائلة هى رقم واحد ثم يأتى الأصدقاء.
«لا أتصور أن هذا الذى يرتكب يوميا مصائب هو نفسه ابنى الذى لم أكن أسمح له باللعب فى الشارع وهو صغير» هكذا بدأت السيدة سوسن حديثها وقالت حرصت منذ إنجابى على أن أربى ابنى وابنتى على النظام والالتزام وأن يكونا مختلفين عن باقى الأولاد فى الحى الشعبى الذى نعيش فيه وفى طفولتهم لم يعترض أيا منهم على وألحقتهما بمدارس خاصة وكان الإثنان نموذجا للالتزام حتى أنهى ابنى دراسته الابتدائية ونقلته لمدرسة حكومية وفجأة بين يوم وليلة لم أعد أعرفه لدرجة أنه رفع السكين على والده تهديدا له اذا فكر فى ضربه ثانية ابنى الآن غريبا عنى وأشعر أن شقى السنوات ضاع على الأرض وما عنيناه أنا ووالده لا ينفع الآن وأفكر جديا فى الذهاب لطبيب نفسى لأعرف كيف أحمى مستقبل ابنى خاصة وأنه بدأ التدخين فى السر ويوميا يدخل فى مشاجرة فى الفصل ومع أخته فى البيت.
- اختلفت طبيعة المشكلات باختلاف طبيعة الأسر لكنها تتفق جميعا فى كونها تعبر عن تغير واضح يصيب الأبناء وقبل سن المراهقة المتعارف عليه فماذا أصاب أبناءنا وهل سن المراهقة أصبح أصغر مما كان وكيف يمكن الحفاظ على أولادنا الذين نربيهم فى صغرهم ثم يتمردون علينا حملت كل هذه التساؤلات.
د. سامية خضر ـ أستاذ علم الاجتماع فأجابت قائلة:
- لرصد أى مشكلة وتحليلها علينا أولا أن نبحث فى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التى طرأت على المجتمع ككل وذلك لأن هذه التغيرات تساهم فى شكل كبير فى إحداث هزات تربوية وسلوكية على النشء لأن الأطفال وبعكس ما يرى الكثيرون ليسوا بعيدا عن الواقع أو عن الضغوط بل بالعكس فالطفل الآن يدرك ودون أن نشعر بمدى التوافق بين والديه أو العكس ويدرك الأزمات التى تمر بها العائلة ووفقا لتقديره للأمور من حوله يحدد كيف سيتعامل مع أسرته.
وبصفة عامة يمكننا القول أن الأسر المصرية خاصة الآن تفتقد الأسلوب العلمى الصحيح فى تربية النشء مما يستبب فى مشكلات كثيرة كلما كبر الطفل سواء ولد أو بنت وربما تظهر المشكلات أكثر فى الأولاد لأنهم أكثر احتكاكا بالمجتمع الخارجى عن البنات اللاتى مازلن يخضعن لرقابة واضحة ومشددة من الأسر والمجتمع بأسره. والقول بأن الطفل أصبح غريباً عن أهله وأنه لم يعد هو نفس الطفل الذى ربته الأم وكان يسمع كلامها أمر عادى وطبيعى والمشكلة هنا ليست فى الطفل لكن فى الأم الرافضة بأن ينصهر ابنها فى مجتمعه وأن يتأثر ويؤثر .. تريده أن يظل دائما مرتبطاً بها وهذا غير صحيح والأفضل أن تؤهله الأم منذ البداية لأى تغيرات مستقبلية فكلما كنا كأهل مستوعبين لفكرة أن ابننا كلما كبر فإن هناك جهات أخرى ستؤثر فيه كلما سارعنا وبادرنا بأن يكون لنا دور مستمر وواضح فى حياته وألا تنجح الجهات الأخرى فى جذبه إليها بشكل كامل يجعله غريبا عنا. والمسألة تحتاج مجهود مشترك من الوالدين فأنا أتعجب عندما لا يشرك الأب الابن فى حياته لأنه بذلك يجعله فريسة سهلة لأى شلة من الأصدقاء قد لا يحسن اختيارها . فكلما كانت التنشئة الاجتماعية تقوم على أسس تربوية سليمة وكلما كان الأهل مطلعين على أساليب وطرق التربية الحديثة كلما استطاعوا استيعاب ابنهم وساعدوه وأدركوا أن أى تغيرات سلبية تطرأ عليه هى تمهيد لمراهقة سيدخلها وقد تكون عنيفة أو معتدلة كل حسب ما أهلناه له. فكلما كانت الأسرة تمارس كبتا على أبنائها كلما كانت مراهقته عنيفة وصعبة وكلما كانت هناك مساحة حرية وديمقراطية منذ صغره كلما مرت مراهقته بهدوء. وفى كل الأحوال علينا استيعاب الضغوط التى يتعرض لها الأبناء فى المدرسة والشارع والنت فالمجموعات المؤثرة كثيرة والرقابة عليها جميعا مسألة صعبة لذا لا يبقى أمامنا إلا التواصل والمشاركة منذ طفولتهم حتى لا يخرجونا من حياتهم كلما كبروا ودخلوا مجموعات جديدة.
وختمت حديثها مؤكدة أنه كلما كانت العلاقة قوية بين الوالدين كلما ارتبط الطفل بالأسرة.
ساحة النقاش