الإحســاس بـالألــم
كتبت :نبيلة حافظ
..إلي كل نفس مهمومة ومتعبة تبحث عن ملجأ آمن لتلقي فيه بأدق أسرارها .. إلي من يبحث عن مكان للراحة والهدوء النفسي، يتوقف فيه ليتأمل ذاته ويراجع خطواته ويواجه أخطاءه .. نقدم استراحة نفسية لننفض عن النفس همومها ومتاعبها .. فإذا كانت لديك مشكلة نفسية تحيرك .. أرسليها لنا .. نحن في إنتظارك
غريبة تلك الأحوال النفسية التى تسيطر على الجسم سيطرة تامة وتتحكم فى حركاته واحساساته بل وكل وظائفه وكل أجهزته.. وطب النفس أكد انه لا يوجد مرض نفسى أو عقلى إلا وله التأثير المباشر وغير المباشر على الجسم وأجهزته.. أى لا توجد حالة نفسية خالصة وانما لابد وان يصاحبها أعراض جسدية.. بل ان امراضاً نفسية وعقلية لا تأتى أحياناً إلا فى صورة جسدية كاملة.
ومنذ سنوات عديدة مضت وفى أحد لقاءاتى بالطبيب المبدع الرائع الراحل د. عادل صادق سألته عن هذه الحالة النفسية فقال إن اغرب حالات الهستيريا نوعان.. أحد هذين النوعين يسمى «الهستيريا التحولية» بمعنى ان الحالة النفسية تتحول وتتحور وتأخذ شكل عرض جسدى كالشلل والعمى والصمم وفقدان النطق والقىء واحتباس البول وغيرها من الاعراض المرضية.
واضاف الراحل: ان من الحالات التى يقابلها كطبيب نفسى وتثير دهشته حالات فقدان الاحساس وخاصة الاحساس بالألم.. ولعل هذه الحالة بالذات هى التى جعلتنى أجد طريقى إلى الاعتراف بوجود ما يسمى باللاشعور أو العقل الباطن ومحاولة فهمه وادراك مدى تأثيره وسلطانه المطلق على الإنسان سواء فى حالة الصحة أو المرض ولنتصور الأتى وهو صعب تصوره:
- دبوس كامل يوضع فى جلد هذا الإنسان ولا يتحرك له جفن.
- سيجارة نجعل نهايتها المشتعلة تلامس جلد هذا الإنسان ولا يهتز لتلك النار التى تحرق فى جلده.
أين النهايات العصبية؟ اين مسارات الاحساس؟ اين قشرة المخ؟.. كل ذلك أصبح لا وجود له.. هناك حالة نفسية سيطرت سيطرة كاملة على كل هذه الاجزاء العصبية ومنعت الاحساس بالألم.
ومن هنا نستطيع أن نعلن عن حقيقة هامة.. وهى أن الجسم بكل اجهزته يخضع خضوعاً كاملاً للحالة النفسية للإنسان وان الجهاز النفسى من تفكير ووجدان يتحكم فى النشاطات الفسيولوجية للجسم ابتداء من الجلد إلى القلب والأعصاب.
انتهت كلمات التحليل للراحل د. عادل صادق.. وبقيت اراؤه النفسية التى تنم عن فهم عميق للنفس البشرية.. تلك النفس التى مازالت تحير علماء علم النفس حتى الان. وبقى الإنسان لغزاً كبيراً يبحث عن إجابة.. هكذا الإنسان حالة مزاجية معينة.. موقف فكرى.. مبدأ.. عقيدة.. وجهة نظر.. فلسفة.. اما الجسم ماهو إلا آلة تحسن وتتحرك وتعمل فى خدمة المزاج والفكر.. ولذا فمن المنطقى أن يكون للمزاج والفكر السيطرة على الآلة.. والمزاج والفكر ماهى إلا تفاعلات كيميائية ينتج عنها نشاط فسيولوجى خاص يؤثر فى النشاطات الفسيولوجية الأخرى. ولذلك ففى حالة نفسية معينة يفقد الإنسان الاحساس.. يصير الإنسان - مؤقتاً - بلا جهاز حسى يتلقى ويشعر بالألم والحرارة والبرودة. لماذا؟.. لابد ان هناك معنى يمنع الجسم من الاحساس.. تماماً مثل المعنى الذى يجعله يشعر بالألم بالرغم من انه لا يوجد مصدر لهذا الألم أى لا يوجد مثير ينبه النهايات العصبية.
لذا يبقى فقدان الاحساس أو الاحساس بالألم.. لغة خاصة للجسد يعبر بها عن حالة نفسية معينة.. عن موقف عن حالة مزاجية معينة.. عن رغبة.. عن مشاعر مكبوتة فى اللاشعور. أو يكون الألم نوعاً من الهروب.. الهروب من الصراع.. فقد يكون وسيلة للإنسان للهروب من مشاكله مع نفسه.. أو يهرب من مشاكله مع الآخرين.. ليصبح الألم هو بؤرة الاهتمام.. شغله الشاغل.. وليكن أيضاً ألمه هو شغل الآخرين.
هذه هى النفس البشرية.. محيرة.. مقلقة.. لغز كبير مازال يبحث عن حل لدى المهتمين بعلم وطب النفس.. ولكن على الرغم من كل الاجتهادات.. والمحاولات المضنية من جانبهم إلا انها ستبقى هكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ساحة النقاش