كيف نتعامل ونختلف تحت مظلة الحب فى الله ؟
كتبت :أمل مبروك
ربما يكون الظلم هو أبشع شعور يشعر به الإنسان أيا كان جنسه أو عمله أو ديانته ، وما يشعر به إخواننا الأقباط هذه الأيام هو الظلم .. وما أدراك ما الظلم، لذلك حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وعلى الناس، فقال في الحديث القدسي الذى رواه مسلم : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا.
- يعاني مجتمعنا من مشكلات لا تعد ولا تحصى ، ولهذه المشكلات تحليلات أرضية لا تعد ولا تحصى ، فما تحليل السماء لها ؟
شيماء محمد ياسين - محاسبة
- يقول فضيلة الشيخ محمود عاشور _ وكيل الأزهر سابقا _ إن التحليل الأول هو قانون الأخوّة في الله : فنحن نعيش في هذه الأيام تحديات كثيرة ، وأبرز هذه التحديات العلاقة المادية بين المسلمين والأقباط ، لذلك نحن في أمسّ الحاجة إلى فقه الأخوّة في الله ، كيف نتعامل مع بعضنا ؟ كيف يفهم بعضنا بعضاً ؟ كيف يعذر بعضنا بعضاً ؟ كيف يحب بعضنا بعضاً ؟ كيف نختلف مع بعضنا بعضاً ؟ تحت مظلة الحب في الله .. عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
بل إن الإخوة الإيمانية من أعظم النعم التي يسبغها الله على عباده فقال تعالى:
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً
فالمحبة بين المؤمنين سبيل إلى ظل عرش الله يوم القيامة ، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه .. بل إن حقيقة الإيمان تعني الأخوّة الإيمانية ، والدليل على ذلك قوله عز وجل : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين ، لقد وقعت المعجزة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال الله عز وجل في سورة الأنفال: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ، علامة إيماننا جميعاً أن يحب بعضنا بعضاً .
التحليل الثاني : قانون العداوة والبغضاء :
فهناك آية واحدة يمكن بها تفسير العداوات بين شخصين ، وبين صديقين ، وبين جارين، وبين زميلين ، وبين زوجين ، وبين شريكين ، وبين أسرتين ، وبين عائلتين ، وبين قبيلتين ، وبين عشيرتين، وبين شعبين ، وبين أمتين ، بل و بين حضارتين .. قال الله تعالى في سورة المائدة : فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فحينما تقتصر اهتمامات الانسان على الدنيا ، والدنيا محدودة ، وهي موطن صراع وتنافس وتخاصم ، بل إن الحروب كلها التي تجري في العصر الحديث هي في الحقيقة تنافس على ثروات الأرض ، سنجد الناس واقعين فى حالة عداوة وبغضاء ، واقتتال و مذابح وسفك دماء .. عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ( رواه البخارى ) .. فى هذا الحديث وصف عليه الصلاة والسلام الخصومة بين المسلمين كفراً .
التحليل الثالث قانون التناقض بين الطبع والتكليف :
فالطبع يدعوك إلى أخذ المال ، والتكليف يدعوك إلى إنفاقه ، والطبع يأمرك أن تبقى نائماً في الفراش الوثير في أيام الشتاء الباردة ، والتكليف يأمرك أن تستيقظ لتصلي الفجر، والطبع أن تملأ عينيك من محاسن النساء فتطلق البصر ، و التكليف يأمرك أن تغض البصر ، والطبع يأمرك أن تفعل ما تشتهي ، والتكليف أعد لك خطة و حيزاً ينبغي ألا تتجاوزه ، ودليل أن هناك تناقضاً بين الطبع والتكليف قول الله عز وجل في سورة النازعات: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ، ثمن الجنة ذلك التناقض بين الطبع والتكليف ، وهذا تمهيد ، والطبع فردي ، والتكليف تعاوني ، فأنت بقدر إيمانك وإخلاصك واستقامتك ، و بقدر قربك من الله تتعاون مع إخوتك المؤمنين ، و بقدر ضعف إيمانك وضعف استقامتك و بعدك عن الله تتنافس معهم ، قال تعالى في سورة آل عمران: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وفى نفس السورة : وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ .. أي أن: التواصل والرحمة واللين تعنى التفاف الناس ، أما القطيعة مع الله ، والقلب القاسى كالصخر والغلظة و والفظاظة ، تعنى انفضاض الناس عنك.
وأخيرا نقول : ليعلم الجميع _ مسئولون ومواطنون - أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد ، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب.. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى،
ساحة النقاش