كتبت :ايمان حسن الحفناوي
بعد أيام يطل علينا يوم هو من أعظم الأيام في تاريخ مصر، عيد الثورة المجيدة التي قام بها الشباب وانتفض لها كل مصري شريف، وإذا حاولنا أن نقدم كشف حساب بعد مرور عام على الثورة، سنجد أشياءً كثيرة سلبية وأخرى إيجابية، وهذا قد يكون طبيعيا إذا قسناه بمقياس الثورات، لاسيما أن هذه الثورة العظيمة حدثت في بلد بحجم مصر، وكانت نتاج شعب صاحب حضارة قديمة تدب بجذورها في عمق الإنسانية.
كشف الحساب هذا قد يصيبنا بالإحباط قليلا، إذ تصورنا من بداية الثورة أن تتغير أخلاقنا وتعاملاتنا للأفضل في هذه المدة الوجيزة، فمرور عام لا يعني الكثير في عمر الإنسانية خاصة لو رجعنا بذاكرتنا، ودرسنا بعمق ما حاق بالشخصية المصرية على مدى سنوات طوال لتغيير هذه الشخصية بل وتشويهها، الشخصية المصرية عانت بالفعل من محاولات مستميتة لتشويهها مما جعل وجه مصر يحمل الندب، وجعل جسدها يعاني آثار الحروق والجروح العميقة، ولا يمكن أن نتصور أن تبرأ تلك الندب، وهذه الجروح بسهولة وبلمسة سحرية اسمها الثورة. هذا ما يجب أن نتأكد منه لنطمئن قليلا، لكن ونحن نمارس رحلة الاطمئنان هذه فلابد ألا نتراخى، ونركن لهذه النتيجة حتى لا يترهل إصرارنا على أن نصبح أفضل.
كثيرون تصوروا بعد الثورة مباشرة أن المصري عاد إلى أصوله العريقة، للأسف أخذهم الأمل بعيداً جدا، هؤلاء هم من يعانون الإحباط حاليا لأن توقعاتهم ضربها زلزال السلبيات التي أسفرت عن وجهها بعد مرور شهرين فقط على الثورة.
تعالوا نر الصورة من منظور قريب حتى تتضح أكثر. المصريون في الصورة أو اللوحة التي نفك شفرتها الآن انقسموا إلى ستة أقسام. القسم الأول: هو حامل الشعلة، ففي بداية الثورة كان الإصرار سمة البعض وهم الشباب الحر، والكبار الذين لحقوا بهم قرروا أن ينفضوا عن مصر أغلالاً حولتها من دولة رائدة إلى دولة معوقة مشوهة، حولتها إلى وجه مسخ وكيان متقزم.
القسم الثاني هو قسم الخائفين الذين تعودوا الاستكانة، والسكوت، معظمهم كان يعيش من أجل لقمة العيش، حتى وإن كانت هذه اللقمة منقوعة في ذل يتجرعه، ولأنهم لا يستطيعون اقتناء الذهب استعاضوا عنه بالسكوت والصمت عملاً بمثل عجيب يقول «إن السكوت من ذهب».
القسم الثالث :هم المستفيدون من الأوضاع المتردية التي كانت تغرق فيها مصر يوماً بعد يوم، فأصبحت الثورة بالنسبة لهم غولاً يريد ابتلاع أحلامهم الحقيرة، ويهدد كياناتهم الغثة.
الفئة الرابعة هي فئة المنتظرين ..من هم؟ الذين يريدون تغييراً لكنهم ينتظرون ما ستسفر عنه نتائج الجولة الأولى، يتمنون نجاح الثورة، لكن لا يبوحون، يتابعون على الشاشات ما يحدث، لكن لا يحثون على الاستمرار، هذه الفئة كانت وقود الثورة في مرحلتها الثانية، وهي الفئة نفسها التي احتشد معظم أفرادها على صناديق الانتخاب.
الفئة الخامسة هي: فئة المدّعين، أفرادها عجب العجاب، فهم لا ينزلون إلى ساحة الميدان ولا يفعلون شيئا، وعندما نجحت الثورة هللوا، وكبروا، وذهبوا، والتقطوا الصور في الميدان، وجعلوها هي صورتهم الشخصية على حساباتهم التي افتتحوها حديثاً على موقع التواصل الاجتماعى الـ"فيس بوك".
وأخيراً: فئة السلبيين فهم لا يفعلون شيئا، لا يتمنون نجاح الثورة ولا فشلها، لا تسعدهم ولا تحزنهم نتيجة، لم يشتركوا في استفتاء ولا انتخابات، ولا مظاهرات، لا في التحرير، ولا في مصطفى محمود، ولا حتى في العباسية، ينتظرون من الدنيا ما تجود به فقط.
هذه هي الفئات التي دخلنا بها أول أيام الثورة.. فهل هم بنفس تفاصيلهم للآن بعد مرور عام؟!.. تعالوا نتابعهم معاً ونرى ما حدث من تغير في ملامحهم النفسية..
إذا نظرنا للفئة الأولى وهي شبابنا الأحرار، ومن تبعوهم، وانتفضوا لندائهم، هؤلاء هم من حملوا على عاتقهم إشعال الثورة وإيقاظ من ناموا مع أهل الكهف، هذا الحزب لا يتغير مهما حاوطته الإغراءات، يعتريه الإحباط أحيانا لكنه لا ينام، ولا يسكت، يبتعد قليلاً ليرى الصورة أوضح، لكنه يظهر فجأة ليطالب، معظم أفراده حركهم في سلوكهم الثوري حب مصر، كثيرون منهم لم يكونوا على وعي سياسي عال، بعد مرور هذه الشهور كبروا أكثر من عشرة أعوام فكراً، ونضجاً ..قليلون منهم من تم استقطابه، والأغلبية تعمق فكرهم أكثر، وهذا ما يجعلنا نحمل الأمل أن مصر فعلا مقدمة على طريق صائب كنا ننتظره لها منذ فترة طويلة.
إذا عرجنا على الفئة الثانية، وهي: فئة الخائفين سنرى أن معظمها من موظفي الدولة البسطاء، وسيدات البيوت، وبعض الشباب الذي تربى على الخوف من الكلام في السياسة.. ماذا حدث لهذه الفئة؟ عندما قامت الثورة كان أفراد هذا التصنيف مرتعبين يحضون أبناءهم على السكوت، و"مالناش دعوة"، و"اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش"، و" يا بني خلينا جنب الحيطة"، وكلام من هذا القبيل.. هل ظلوا كما هم؟ تعالوا نتابع.
عندما قامت الثورة بدأ العنف من السلطات لقمع الاحتجاج، ثم تطور العنف ليصبح ممهورا بالدماء، كل هذا وحزب الخائفين يغلق بابه على نفسه، ولا يتحرك، لم ينزلوا الميدان ،ولم يتجولوا بالشوارع، ولم يخالفوا قوانين الطوارئ حتى لو كانت ظالمة، لكن عندما انسحبت الشرطة أصبح الجهاد ليس ضد شلة حاكمة خائنة، بل امتد الجهاد لكل شارع في مصر عندما بدأ البلطجية في غزو البيوت، هل نترك بيوتنا وأعراضنا؟ هل يكبلنا الخوف أن ندافع عن أنفسنا؟ الخائفون لم ينزلوا للثورة فأتت هي إليهم، لم ينزلوا لأنهم يخافون الالتحام فأتى الالتحام إلى بيوتهم، تشكلت اللجان الشعبية.. ممن تشكلت؟ من حزب الخائفين أنفسهم، كان هذا هو قمة الغباء ممن خططوا لمهاجمة البيوت متصورين أنهم سيرعبون شعب مصر.. لقد جلس الخائفون في منازلهم؛ فمن الغباء أن تذهب إليهم، وتستفز قدرتهم على حماية حياتهم، لكن رب ضارة نافعة، فأنا عندما أخاف على شيء يمكنك أن تهددني به ،وأصبح لك عبداً تحت التهديد، لكن عندما تصل الأمور أن تجردني من كل شيء، فلم يعد هناك شيء أخاف عليه فسأواجهك بكل ضراوة.. هذا ما حدث لأن من جلسوا في بيوتهم خوفاً كانوا يحمون حياتهم، فعندما تم تهديد هذه الحياة هبوا، وتعلموا حمل السلاح وأيقنوا أنك عدوهم، وعرفوا أنهم إن لم ينزلوا الميادين فسوف تأتي إليهم .. لذلك نزل معظمهم وبقى الآخرون يتدربون على كره النظام الحاكم ومقاومته.
وإذا اتجهنا للحزب الثالث، وهو حزب المستفيدين، فسنراه قد جابه الثورة بكل ضراوة على مثل: " يا روح ما بعدك روح" ففقد حذره، وفقد ذكاءه، وكشف نفسه للجميع، ثم استكان في ركن بعيد بعدما اندلعت الثورة قوية كشلال هادر؛ ليحاول بعد ذلك أن يفكر بشبه هدوء عله يصل لحل، هؤلاء حاولوا بكل طريقة استخدام العنف فلما جاء بنتائج سلبية ركنوا إلى الخداع، حاولوا تفتيت جبهة مصر، حاولوا إشاعة الفتنة، والفوضى، راهنوا على إغراق بلد لم يستطع أعتى الطغاة إغراقه.. وفي فترة ضبابية الرؤية بعد الثورة كان دورهم كبيراً جداً في محاولاتهم الخسيسة للانتقام من شعب أراد الحياة لأنهم ما أرادوا له إلا الموت.. أعضاء هذا الحزب مازلوا موجودين، ومازالوا يحيكون المؤامرات، وللأسف تنجح أحيانا مؤامراتهم الوضيعة، لكنها تنجح لفترة وجيزة ثم تخبو، هذه المؤامرات حتى لو خبت فهي تصيب مصر بحالة من الإعياء لفترة تنهض بعدها أكثر قوة لأن" ما لا يقتلني يقويني"..
الحزب الرابع، حزب المنتظرين وهم أفراد خلطوا بين الرضا والاستكانة، بين الصبر والبلادة، رغم ذلك يحبون بلدهم لكنهم ناموا فترة ،وقالوا"ما فيش فايدة".. لذلك ففي بداية الثورة أيقنوا أنها لن تنجح ولسان حالهم يدعو لها بالنجاح.. يمنعون أبناءهم من النزول، ويتغاضون عندما يعرفون بنزولهم.. يقولون إن النظام الحاكم مستقر، ويسرون في أنفسهم أن الباقي هو الله.. ماذا حدث لهم بعد الثورة؟ انتظروا النتائج، وعندما تم خلع الرئيس هللوا، وكبروا، ونزلوا فرحين للميدان، وحملوا علم مصر الذي لم يكونوا من قبل يرونه إلا في طابور الصباح بالمدرسة.. هؤلاء هم أكثر فئة أصابها الإحباط من سلبيات ما بعد الثورة، لأن صفة الانتظار متأصلة في نفوسهم، يقولون البلد يعاني ولا يساهمون في رفعته، ينتقدون السلوكيات السلبية ويرتكبون بعضها، أعضاء هذا الحزب لا يصلحون قادة، لكنهم رعايا صالحون إذا صلحت الإدارة.
ثم نأتي لحزب المدّعين، وما أكثرهم.. وللأسف معظمهم كانوا نجوماً في المجتمع، من شتى المجالات، إعلام، فن، سياسة، وغيره من المجالات، هللوا، وكبروا للنظام القديم.. وعندما بدأت الثورة وقفوا ضدها، وعندما علت نبرتها تضاءلوا، وابتعدوا عن الأضواء حتى ينشق الغبار عن شيء واضح.. نجحت الثورة فكانوا من أوائل المهنئين! هؤلاء يمكن الاستفادة بهم إذا تمت إدارتهم باقتدار.
ثم نأتي للفئة الأخيرة: حزب السلبيين، وهي فئة ليست قليلة لأن أكثر أعضائها من بسطاء الناس، ممن تم تهميشهم على مدى الفترة الطويلة الماضية، فشعروا أنهم خارج الإطار، وعندما طلب منهم أن يدخلوا ليكملوا تفاصيل اللوحة كان من الصعب على معظمهم أن يفعلوا، لكن مع الوقت تحرك كثير منهم لأنهم أدركوا أنهم جزء من الصورة، ولابد أن يظهر.
هذه هي الأحزاب التي لاحظتها، ودونت صفاتها وأنا أتابع ما يحدث في وجه مصر من تغير، فيما عدا حزب المستفيدين، فكل هذه الفئات تحب مصر، ولكن كل بطريقته، وكل منهم يرجو لها أن تتحسن أوضاعها، ولكن كثيرين منهم لا يعرفون كيف يتم هذا وما هو دورهم الحقيقي حتى يتحقق الحلم.
كثيرون ينظرون للوحة بروح محبطة، لكنني أراها منيرة مبشرة رغم كل ما فيها من أخطاء، لأنني أرى أن الخائنين يكشفون عن وجوههم المشوّهة، ويتساقطون وأن الثورة لا تنام، ولا حتى تأخذ غفوة وأن الغد قادم بإذن الله بما يثلج الصدر.
كل ما تحتاجه مصر إدارة قوية حكيمة تحمل حب هذا البلد وشماً على جدار القلب
أخر المشوار
نعيب زماننا و العيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
فدنيانا التصنع و الترائي
ونحن به نخادع من يرانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
ساحة النقاش