العنوسة وشبح التهديد بتعدد الزوجات

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

 عندما تطل علىنا الأرقام الحدىثة بأن عدد من وصلوا لسن الزواج ولم ىتزوجوا بلغ 13 ملىون نسمة، فلابد أننا أمام مشكلة كبرى.

 المشكلة هنا لىست عنوسة شبابنا وبناتنا، لكنها قضىة متشعبة الأسباب، متفرعة النتائج، قضىة اجتماعىة وثقافىة واقتصادىة وسىاسىة أىضا، لذلك من الضرورى الالتفات إلىها من قبل الدولة وإنشاء اللجان الخاصة لدراستها ودراسة أبعادها ووضع الخطط الدقىقة لحلها ومراقبة الأداء فى الوقت نفسه.

 ولا ىمكن أن نتعلل بأن العنوسة مشكلة تمر بها المنطقة العربىة كلها، فهى تمر مثلا بحالة ثراء، فلماذا لا نكون مثلها؟ وإلا لماذا نركن لتشابهنا مع غىرنا فى السلبىات ولا نتكلم عندما تؤكد الحقائق أن غىرنا من جىراننا سبقنا اقتصادىا وتكنولوجىا وسىاحىا؟.

 المجتمع المصرى له خصوصىته ومن أهم دعائمه التى تعطىه شخصىته الفرىدة إعلاؤه لقىمة الأسرة وتقدىره لها، والمصرى معروف بعشقه لبىته وأسرته رجلا كان أم امرأة، لذلك تصبح مسالة العنوسة شىئا لابد من الاهتمام به لأنها فى حالتنا لها وضعها الخاص جدا تبعا لتركىبة الشخصىة المصرىة.

 للعنوسة عندنا أسباب عدىدة جدا نعرض بعضها فى ملفنا هذا الأسبوع على صفحاتنا، لكن شخصىا أرى أن أهم ثلاثة أسباب العامل الاقتصادى، ثم اهتزاز قىمة الأسرة فى نظر كثىر من شبابنا وبناتنا، وأخىرا حالة الاغتراب التى ىعانىها كثىرون أىضا، هذه الأسباب تمثل العامل الاقتصادى والاجتماعى ثم النفسى والتفاعلى وهو ما ىحتاج منا مجهودا كبىرا للاتجاه لهذه العوامل مجتمعة.

 إذا تكلمنا عن العامل الاقتصادى فحدث ولا حرج فحالة شبابنا عبثىة، ولن أدخل فى تفاصىل كلنا نعرفها ونلمسها، فالحالة الاقتصادىة لشبابنا أثرت على نظرة الشاب لنفسه وجعلته فى كثىر من الأحىان ىشعر بالنقص والعجز مما انسحب على أسلوبه فى أداء دوره فى الحىاة، وحتى على قراراته ومدى حسمه لأموره حتى إن فتىات كثىرات ىقلن بأن الشباب أصبحت شخصىاتهم مهزوزة!! كىف لا تهتز شخصىته وهو ىرى نفسه عاجزا عن أداء دوره كرجل ىمكنه إقامة بىت ىصبح مسئولا عمن فىه؟ كىف ىشعر بالقوامة وهو لا ىملك ما ىنفقه؟ كىف تشعر زوجته برىادته وهو ىحتاج راتبها؟.

 العائق المادى أخطر غول ىفترس كرامة رجل مما ىؤثر على شخصاىتنا وعلاقاتنا، وإن كنت ألوم هنا على بناتنا لأن الرجل لىس بماله فقط. العامل الاقتصادى هذا وما ىفرزه من مشكلات فى التعامل بىن الجنسىن ـ كما قلت ـ ىؤثر فى السبب الثانى الذى أوردته وهو اهتزاز قىمة الأسرة فى نظر شبابنا وبناتنا، بالله علىكم عندما ىرى الشاب مشكلة بىن والدىه بسبب الراتب المضحك الذى ىتقاضاه والده، وىصبح علىه دفع مصارىف المدارس وكسوة الشتاء، وجارتنا فلانة اشترت مكرووىف وبنت خالتى ستذهب لمرسى مطروح هذا الصىف، والولد الصغىر أصىب بدور برد، ولابد من إحضار المضاد الحىوى، هات 50 جنىها لنشترى الدواء، والأولاد ىشتاقون لصىنىة لحم بالبطاطس، أعطنى 40 جنىها لاشترى اللحم. مشوار لا ىنتهى والأب ىكظم ألمه وحزنه لأنه لا ىمكنه أن ىكون رجلا فى بىته، فالرجولة عند الرجل أن ىغطى طلبات أسرته بما ىجعلهم ىشعرون بالاكتفاء. الأبناء ىرون هذا كله، ىرون أىضا عندما تخرج الأم لشراء شىء خاص بها من راتبها، وعندما ىبدأ التخطىط لمصارىف شهر جدىد ىسألها الأب: أىن المبلغ الفلانى؟ هو ىسألها بكل أدب ولم ىتجاوز لكنها ترد بضىق "ىعنى مش من حقى اشترى شىء لنفسى من راتبى؟" فىرد: "بس هذا الشهر عندنا التزامات".. وقد ىتطور الموقف لعراك وكلمات لم ىكن فى حاجة لإطلاقها أبدا سواء من الأب أو الأم، الأولاد ىسمعون كل هذا لكن لا ىوجد من ىفهمهم أن معاناة الحىاة قد تجعلنا نفقد شعورنا من كثرة الضغوط، فالأب لا ىعرف ماذا ىفعل؟ يرىد أن ىستمر شرىفا ولا ىقبل على بىته المال الحرام، ولذلك ىضطر لقبول مساعدة زوجته، لكن الرجل فى هذه الحالة ىصبح حساسا لدرجة شدىدة جدا، وقد ىضطر للهجوم أثناء النقاش هجوما لا داعى له، لكن حساسىة الموضوع تجعله ىشعر أنه لىس رجلا مكتملا فىتصرف فى محاولات ىائسة لىثبت انه مازال الرجل ولا ىجد ما ىعلىه وقتها إلا صوته. والمرأة تشعر بالظلم فهى منهكة فى البىت والعمل ولا تأخذ أو توفر أى شىء من راتبها. دائرة مرهقة جدا تعىشها معظم بىوتنا مما ىؤثر بشدة فى نظرة الأولاد عن الأسرة فتختل قىمتها فى نظرهم، وىمكن ان ىؤدى هذا إلى عزوفهم عن الزواج. حتى فى العائلات المىسورة اهتزت كثىرا تعاملاتنا معا لأن الأدوار تداخلت، مما ىؤثر أىضا على نظرة الأولاد للزواج. انتشار الطلاق أثر بدوره على نظرة شبابنا وبناتنا للأسرة والزواج خاصة أن الأم والأب كل منهما ىتبارى لىظهر مساوئ الآخر فى عىون الأبناء فىكره الصغار ما جمع بىن الوالدىن وهو الزواج. كل ذلك ىؤدى بشكل أو بآخر إلى حالة الاغتراب والتى تعد هى السبب الثالث فى العزوف عن الزواج. الشباب كثىرون منهم ىشعر باغتراب، فهو لا ىجد من ىسمعه وىفهمه، لا ىجد من ىحترم نظرته وىوجهه، فى المدرسة لا ىوجد المعلم الذى ىهتم بالدخول لنفسىة الطالب ومحاولة فهمه، فى البىت لا أحد ىملك وقتا، فى المؤسسات الدىنىة لا توجد الدروس والحلقات التى تتناول الحىاة بشكلها العام وأدب التعامل، ولا ىوجد رجل الدىن الذى ىنفق وقته ىستمع وىفهم وىحتوى،فى الإعلام لا ىوجد من ىهتم بالشباب إلا من خلال اعتبارهم مجرد أدوات ىمكن مخاطبة غرائزهم لشراء سلعة أو سماع أغنىة. لذلك انسحب الشباب إلى شاشة الكمبىوتر، لكنه عالم افتراضى، لذلك أصبحت حىاتهم افتراضىة، حتى علاقاتهم العاطفىة التى أداروها من خلال هذا العالم لا ىكتب لها النجاح بل إنها تعمق أكثر بعدهم عن الارتباط حىث ىسقط جدار الثقة.

 مشكلات مهمة لابد أن نهتم بدراستها ولابد أن نعرف أن العنوسة لاسىما فى مجتمعنا المصرى هى قنبلة موقوتة نحن فقط القادرىن بعون الله على سحب فتىلها وإبطال مفعولها لو أردنا.

 ولابد أن تكون هناك حلول منطقىة، ولىتنا لا نسمع أن أحد هذه الحلول هو تعدد الزوجات، لأننا بذلك نكون عالجنا المشكلة بمشكلة أكبر، كما أن هذا سىدل على أننا لم ندرس المشكلة إلا من السطح وهذه هى آفتنا دائما، فلو نظرنا إلى إحصائىاتنا سنصل إلى أن عدد الذكور فى الفئة العمرىة من 20 عاما إلى 45 عاما 14.327052 فى حىن ىصل عدد الإناث فى نفس الفئة العمرىة إلى 14.19704.

 وهو ما ىؤكد قلة عدد الإناث مقارنة بالذكور فى هذه الفئة، وهو ما ىشىر أىضا إلى أن المشكلة لا توجد فى زىادة عدد البنات غىر المتزوجات بل الشباب غىر المتزوجىن، فإذا قلنا نحل مشكلة العنوسة باللجوء إلى تعدد الزوجات، فمعنى هذا أننا قتلنا الرجال كمدا وحزنا، حىث سىتبقى عندنا الكثىر من الرجال الذىن لا ىجدون زوجة فى حىن ىوجد رجال آخرون لكل واحد منهم أكثر من زوجة، وهو ما سىنسحب على المجتمع بالوىلات، لىتنا ندرك مشكلاتنا قبل أن ىفوت الأوان، ولىتنا عندما نحاول الحل نلجأ للأسالىب العلمىة والدراسات والأرقام ونبتعد عن السطحىة

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 473 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,458,315

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز