كتبت :أمل مبروك

 الصبر على الظلم والفساد لايعنى الاستسلام له هل يكره أحد أن يعيش حياته مطمئنا على قوت يومه وطعام أسرته فى ظل حياة تسودها الحرية والعدالة ؟ لاأعتقد أن أحدا سيجيب بالنفى ، وإذا كان الأمر كذلك .. وإذا كانت هذه هى مطالب الثورة .. وإذا كنا قد اتفقنا عليها واختلفنا على كيفية تحقيقها ، فليس أمام أحدنا أيا كانت السبل التى يراها من وجهة نظره إلا أن يتذرع بالصبر حتى يصل ونصل جميعا لأهدافنا الغالية .. لكن ماهو معنى الصبر ؟ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستسلم لكل مظاهر الظلم والطغيان التى لاقاها من كفار قريش ، بل صبر ثلاثة عشر عامًا في مكة على الأصنام وعبّادها، وظل يصلي بالمسجد الحرام، ويطوف بالكعبة وفيها وحولها ثلاثمائة وستون صنمًا، حتى أتي الوقت المناسب يوم الفتح فحطَّمها .. ولهذا قرَّر علماء المسلمين أن الوصية بالصبر لاتعنى الاستسلام للفساد بل الانتظار والترقب والاستعداد حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين

 كيف ننهض ببلادنا وقد تسبب النظام السابق فى إفسادها وتخلفها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ؟ وماذا عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس رضي الله عنه : "لا يأتي زمان على الناس إلا والذي بعده أشد منه"؟

 رضوى محمد سليمان

 مندوبة تسويق

 - يشير فضيلة د. عبد الله النجار - عضو مجمع البحوث الإسلامية - إلى أن بلادنا متخلفة بالفعل ، إنما هل هذا التخلف أبديّ أم هو مرحلة من المراحل؟ هل نحن متخلفون لأننا يجب أن نكون متخلفين؟

 لا.. بدليل أننا كنا متقدمين، كنا سادة العالم وقادة الأمم ، فالحضارة الإسلامية ظلت هي الحضارة الأولى والسائدة في العالم حوالي ثمانية أو عشرة قرون، علماء المسلمين كانت أسماؤهم أشهر الأسماء في العالم فى علوم الطب والتشريح والفلك والكيمياء والفيزياء وكل علوم الأرض..

 إذن هذا الفساد الذي نعانيه ليس ذاتياً فينا، وليس أبدياً ؛ فيجب أن نضع خطة للخروج من سجن التخلف، ويجب أن نفترض أن أول أسباب تخلفنا انتشار الأمية وهذا أمر لا يليق بنا، وأول آية نزلت في كتابنا "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" وكُررت مرتين "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ" والقراءة مفتاح العلم ، "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ" والقلم هو أداة نقل العلم من فرد إلى فرد ومن أمة إلى أمة ومن جيل إلى جيل، والقرآن أقسم بالقلم.

 قال تعالى «ن ? وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ". ، ثم الاعتصام بحبل الله : «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا»

 أحاديث الفتن

 أما الحديث المذكور فرواه الإمام البخاري في جامعه الصحيح، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وهو حديث صحيح من ناحية سنده، ولكن الآفة تأتي هنا من فهمه فهمًا يُخالف سُنَن الله، أو حقائق العلم، أو ثوابت الواقع، ولا يمكن أن يأتي الدين بما يخالف ذلك.

 وأحاديث " الفتن" وما يتعلَّق بما يُسمَّى آخر الزمان أو أشراط الساعة يَكثر فيها سوء الفهم، ولِذا ينبغي التأمل الطويل في معانيها، حتى لا يتَّخذُها الناس وسيلة لقتل كل بِذرة للأمل، ووَأْد كل محاولة للإصلاح والتغيير، والحديث المذكور نموذج لهذا النوع من الأحاديث، فقد روى البخاري بسنده إلى الزبير بن عدي، قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجَّاج، فقال: "اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقَوْا ربكم" سمعته من نبيكم، صلى الله عليه وسلم.

 يَتخذ بعض الناس من هذا الحديث مبررا للقعود عن العمل، وتخاذلا عن الإصلاح ، وآخرون توقفوا في قبول الحديث، وربما تعجل بعضهم فشكك فى صحته لأنه في ظنهم يدعو أولاً إلى اليأس والقنوط، وثانيًا إلى السلبية في مواجهة الطغاة من الحكام المنحرفين، وثالثًا: يُعارض فكرة "التطور" التي قام عليها نظام الكون والحياة، ورابعًا : يُنافي الواقع التاريخي للمسلمين.

 ومن الحق علينا أن نقول: إن السابقين من علمائنا قد وقفوا عند هذا الحديث غير مستسيغين الأخذ به أو تطبيقه بشكل عام، لأن بعض الأزمنة تكون في الشر أقل من التي قبلها، وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز، والتاريخ يُثبت أنه جاءت فترات ركود وجمود في العالم الإسلامى أعقبتها أزمنة حركة وتجديد، ويكفي أن نذكر مثلاً من ظهر في القرن الثامن من العلماء والمجدِّدين ـ بعد سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، وتدهْوُر الأوضاع في القرن السابع، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وسائر تلاميذه في الشام، والشاطبي في الأندلس، وابن خلدون في المغرب، وغيرهم مما جعل الإمام ابن حبان في صحيحه يرى أن حديث أنس ليس على عمومه، مستدلاً بالأحاديث الواردة في المهدي المنتظر، وأنه يَملأ الأرض عدلاً، بعد أن مُلِئت ظلماً

 ولهذا أرى أن أرجح التفسيرات لهذا الحديث ما ذكره الحافظ في «الفتح» بقوله : ويُحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة، بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك، فيختص الحديث بهم، فأمَّا من أتى بعدهم فلا يخصهم الحديث ، لكن الصحابي أنس بن مالك فهم أن المراد من الحديث هو التعميم، ولذلك أجاب من اشتكوا إليه من الحجَّاج بذلك وأمرهم بالصبر.

 والصبر لا يتضمَّن السكوت على الظلم والرضا بالمنكر والفساد، وذلك لأن القائل «اصبروا» هو أنس - رضي الله عنه - وليس النبى صلى الله عليه وسلم ، وكل واحد أيا كان علمه يُؤخذ من كلامه ويُترك ما عدا المعصوم - صلى الله عليه وسلم- ومن ناحية أخرى فإن أنسًا لم يأمرهم بـالرضا بالظلم والفساد، وإنما أمرهم بـ " الصبر " وفرق كبير بين الأمرين، فإن الرضا بالكفر كفر، وبالمنكر منكر، أمَّا الصبر فقلَّما يستغني عنه أحد، وقد يصبر المرء على الشيء، وهو كارهٌ له، ساعٍ في تغييره. ومن لم يملك القدرة على مقاومة الظلم والجبروت، ليس له إلا أن يَعتصم بالصبر ، مجتهدًا أن يُعِدَّ العُدَّة، ويتخذ الأسباب، مستعينا بكل من يَحمل فكرته، منتهزًا الفرصة المواتية، ليُواجه قوة الباطل بقوة الحق، وأنصار الظلم بأنصار العدل

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 616 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,811,815

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز