أيهما يجب إصلاحه أولا : الراعي ام الرعية

كتبت :أمل مبروك

أستعفر الله العظيم من كل عمل أردت به وجهك فخالطني به غيرك ، ومن كل نعمة أنعمت علي بها فاستعنت بها علي معصيتك، ومن كل ذنب أذنبته سرا أو علانية ، ومن كل علم سئلت عنه فكتمته ، ومن كل قول لم أعمل به وخالفته

 دخلت ابنة عمربن عبد العزيز عليه تبكى وكانت طفلة صغيرة آنذاك ، وكان يوم عيد للمسلمين فسألها ماذا يبكيك ؟

 قالت : كل الأطفال يرتدون ثياباً جديدة وأنا ابنة أمير المؤمنين أرتدي ثوبآ قديمآ... فتأثر عمر لبكائها وذهب إلى خازن بيت المال وقال له : أتأذن لى أن أصرف راتبى عن الشهر القادم؟ فقال له الخازن : ولم يا أمير المؤمنين ؟ فحكى له عمر.

 فقال له الخازن :لامانع عندى يا أمير المؤمنين و لكن بشرط

 أن تضمن لى أن تبقى حيآ حتى الشهر القادم لتعمل بالأجر الذى تريد صرفه مسبقآ، فتركه عمر وعاد إلى بيته فسأله أبناؤه : ماذا فعلت يا أبانا ؟ قال : أتصبرون وندخل جميعا الجنة أم لاتصبرون ويدخل أباكم النار ؟ قالوا : نصبر يا أبانا

 هذا هو عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين الذى لم يستحل لنفسه مالاً ليس من حقه لمجرد أنه أمير المؤمنين ، وهؤلاء هم أبناؤه الذين لم يكلفوا والدهم ما لا يطيقه ، وهذا هو وزير ماليته الذى لم يتهاون فى مسئولياته لمجرد إظهار الطاعة لأمير المؤمنين !

 هل يدل هذا النموذج على أنه إذا صلح الراعى صلحت الرعية

 أم أن استقامة الرعية هى التى ينتج عنها صلاح الحكام واستقامتهم ً؟

 إن المسئولية في الإسلام فردية في جانب، ولهذا قال تعالى: "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا" ، وتضامنية في جانب آخر ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته..." .

 لذا فإن صلاح هذه الأمة واستقامتها بصلاح شرائحها الثلاث: الحكام، والعلماء، والعامة، وفسادها بفسادها كلها أوبعضها.. قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" ، وقال: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" ، والوضع المأساوي الذي تعيشه الأمة في هذا العصر هو نتاج تقصير جميع شرائح المجتمع، حكاماً، وعلماء، ومحكومين، ولهذا لا ينبغي للرعية أن تحمّل ولاة الأمر من العلماء والحكام كل المسئولية، وتبرئ نفسها من ذلك، ولا ينبغي كذلك لولاة الأمر من العلماء والحكام أن يرموا باللائمة كلها على الرعية، رافعين في وجوههم: "كما تكونون يولَّ عليكم، عمالكم أعمالكم"، لأن الجميع راع ومسئول ، مع يقيننا التام أن مسئولية ولاة الأمر من الحكام والعلماء تفوق مسئولية العامة.

 الأدلة على ذلك كثيرة من القرآن، والسنة، والآثار، وسنشير في هذه العجالة إلى طرف من ذلك، فنقول:

 أولاً: ما يدل على أن صلاح الراعي صلاح لرعيته وفساده فساد لرعيته ما رواه البخاري في صحيحه عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: ".. وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين.." ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون".

 وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ".. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".

 ثانياً: ما يدل على أن استقامة الرعية ينتج عنها صلاح الحكام واستقامتهم غالباً، والعكس قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".

 وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم..".

 وقال فضيلة الشيخ الشعراوى في تفسيره لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ": (واعلم أن الولاة إنما يكونون على حسب أعمال الرعية وأحوالهم صلاحاً وفساداً، رُوي أنه قيل للحجاج بن يوسف: لِمَ لا تعدل مثل عمر وأنت قد أدركت خلافته؟! أفلم تر عدله وصلاحه ؟! فقال في جوابهم: تباذروا - أي كونوا كأبي ذر الغفارى في الزهد والتقوى - أتعمَّر لكم - أي أعاملكم معاملة عمر في العدل والإنصاف).

 وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون المخرج؟ وبمَ يكون الإصلاح؟

 الإجابة فى العدد القادم بإذن الله تعالى

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 8642 مشاهدة
نشرت فى 26 إبريل 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,919,341

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز