اللهم ارحم مصر من المصريين

كتبت : ايمان حسن الحفناوي

لا يمكن أن تضع سيناريو للشعب المصري، وتتصور أنه سيتم تنفيذه إذا كنت لا تفهم جيدا هذا الشعب، هذه المسألة تغيب عن كثيرين للأسف، فتجدهم مذهولين من النتائج التي أسفرت عنها الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة.

الشعب المصري هو الذي أطاحت به النكسة وكسرت كبرياءه رغم ذلك رفض تنحي عبد الناصر وأرغمه على البقاء، هذا الشعب أيضا هو الذي ثار وانتفض غاضبا عندما تعرض مبارك لحادث أثيوبيا رغم أنه لم يكن على وفاق معه وقتها، هو أيضا نفس الشعب الذي تصور العالم كله أنه استكان ورضي وأغمض عينيه في نومة قد تكون أبدية عندما ثار وغضب في25 يناير... وتذكروا معي مع حدث قبيل انتخابات مجلس الشعب، فهذا المشهد لن أنساه أبدا، لقد شهدنا بأعيننا حجم العنف المتبادل والسيناريو العجيب في شارع محمد محمود، وتصور كثيرون أن انتخابات مجلس الشعب لن تتم، فالشعب منشغل في غضبه، والقوات التي لابد أن نعهد إليها بتأمين الانتخابات منشغلة في مواجهة هذا الغضب، والعلاقة أكثر من متوترة بين الشعب من جهة والجيش والشرطة من جهة... ماذا حدث؟ سيناريو عجيب مرة أخرى كما عودنا هذا الشعب المعجزة، ففي الليل كان العنف دائرا والمشهد مرتبكا، ومع الساعات الأولى للنهار كان نفس هؤلاء البشر يقفون في صفوف طويلة انتظارا للإدلاء بأصواتهم تحميهم قوى الجيش والشرطة! هذا ما حدث، لنشهد ويشهد معنا العالم سيناريو لم يتوقعه كثيرون... هذا هو شعب مصر... لذلك لم يكن من العجيب أن تأتي لنا صناديق الانتخاب بما اعتبره كثيرون مفاجأة، واعتبره البعض صدمة، وفسره آخرون بأنه نتيجة تزوير.

فمنذ أسبوعين وأنا أتابع ما يحدث بشأن انتخابات الرئاسة، وأدون ملاحظاتي لهذه اللحظات الفارقة، ليس في تاريخ مصر فقط ولكن في تاريخ الأمة العربية كلها، ومن قراءتي للمشهد من حولي، أدركت بعد المناظرة التي تمت بين السيد عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أن المؤشر البياني سوف ينخفض لكليهما، وكان من الواضح أيضا أن بعض المرشحين لن يحصلوا على أصوات مؤثرة رغم احترامنا لتاريخهم ونياتهم الخالصة في النهوض بمصر... وقبل أيام قليلة من التصويت وبعد جس النبض الذي كنت أمارسه من خلال آراء الناس وتفاصيل المشهد من حولي، استنتجت أن يصل الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي للإعادة، وهذا ما قلته لزميلي العزيزين الأستاذة ماجدة محمود والأستاذ محمد الحمامصي... المشكلة أن هناك كثيرين لا يؤمنون بأن الفريق شفيق والدكتور مرسي كانت لهما كل هذه الشعبية... السبب يكمن في شيء غريب لاحظته، فمشجعو الفريق ومشجعو الدكتور معظمهم كان لا يعرب عن نيته علانية خوفا من الانتقاد الذي قد يصل إلى الاضطهاد من الآخرين، وهذا ما أعرب لي عنه كثيرون ودونته بأمانة في مذكراتي...

المشكلة أننا للآن لا نؤمن بحق الاختيار، ونناهض من يختار علي غير رغبتنا، وننسى أن الله سبحانه وتعالي قال "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" رغم بغضه لمن يكفر لكن أعطانا الحرية في الاختيار... وإذا نظرنا إلى كل من المرشحين سنجده عرف كيف يؤثر على مشاعر الناس، وهي نقطة مهمة جدا لمن أراد أن يربح تأييد الجماهير، كما أن مؤيدي كل منهما كانت لهم أسباب جوهرية في الاختيار نحترمها حتى لو اختلفنا معها، وأيا كانت نتائج الانتخابات فلا ينبغي لشعب عظيم اختار الديمقراطية أن ينقلب عليها، أقول هذا وأنا شخصيا اخترت مرشحا خسر في الجولة الأولى، لكنني أتكلم من واقع حبي للبلد وتقديري لشعب أذهل العالم بثورته، وعاد فأذهله مرة أخرى بطوابير طويلة وقف فيها ينتظر صندوقا يضع فيها اختياره وحبرا يغمس فيه إصبعه... الشعب الذكي الذي يملك هذه الحضارة العظيمة لا ينبغي أن يستخف به الغضب، ولا أن تشغله صدمته عن مصلحته، الشعب الواعي يبتلع هذا الغضب، ويمضغ تلك الصدمة ويقوم ويقف ويفكر ويضع الحلول والاقتراحات ليرسم خارطة طريق تأخذ في اعتبارها الإمكانيات المتاحة ليبدع أفضل الحلول، لكن أن نظل "نندب" أو يتهم بعضنا بعضا بالخيانة، أو ننسحب ونعلن أنها لم تعد بلدنا، فهذا لا يليق بشعب تشرئب له الدنيا كلها تنتظر نتيجة ثورته العظيمة... هنا يأتي دور النخب ودور الإعلام الذي لابد أن يكون حرا، صادقا، شفافاً ونزيها وحياديا في الوقت نفسه، حتى لا يسهم في تزييف الوعي، هنا أيضا يأتي دور رجال الفكر... مصر في خطر مؤكد وكلنا مسئولون ولابد أن يؤدي كل منا دوره بضمير ويعرف أن الله يراه، ويعرف أيضا أن كل كلمة محسوبة، فكلمة واحدة أو إشاعة لم يتم التأكد منها قد تكون كفيلة بتأجيج النار وإشعال الوطن... والمساعدة على إشعال الوطن هي الخيانة بعينها، وهي ما ينهى عنها كل دين سماوي... ومن يشعل وطنه إنما يعصى الله، ولنتذكر جميعا عظة أحد الصالحين لأحد مريديه "إن كنت تعصى الله وتظن أنه يراك فقد اجترأت على رب كريم، وان كنت تعصاه وتظن أنه لا يراك فقد كفرت برب عظيم"، أقول هذا وأردد ما كتبه أستاذي الفاضل أحمد رجب في " نص كلمة" اللهم ارحم مصر من المصريين" وأضيف عليها بعد إذنه" اللهم ارحم مصر من المصريين وارحمها بالمصريين" لأننا منها ولها ولن يضيعها الله، ولن يضيعنا طالما نراعي ضمائرنا ونعلو على مصالحنا الضيقة .

المصدر: مجلة حواء- ايمان حسن الحفناوي

ساحة النقاش

Dr-mostafafahmy

" اللهم ارحم مصر من المصريين وارحمها بالمصريين" .. آمين آمين .. أشكرك يا أستاذة إيمان على شعورك المتقد ونيتك الخالصة التي نتحسسها في كل حرف كتبتيه، ولا يحضرني - تأييدًا لدعوتك الصادقة لإنقاذ ما تبقى - إلا قوله تعالى " ادْخُلُوا مِصْرَ إن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ " صدق الله العظيم.

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,855,201

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز