الفتنة استيقظت .. لعن الله من أيقظها

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

قال الله تعالى في كتابه الكريم «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» صدق الله العظيم... ليتنا نفقه هذا القول الكريم ونعيشه بصدق، ليست مجرد قراءة عابرة، لكن قراءة متدبرة تنفذ إلي عمق الحروف وتبحر في جذور المعنى. فما نعيشه هذه الأيام يؤكد أننا إن لم نكن قد وصلنا للفتنة بعينها فعلي الأقل نحن مقبلون عليها.. وإذا فهمنا معنى الفتنة سندرك أنها قريبة منا أكثر مما نتصور.. فالفتنة في اللغة هي الابتلاء والامتحان، وقد تكرر ورود هذه الكلمة في القرآن الكريم 70مرة بهذا المعنى.. ويقال إن أصل الفَتن هو إدخال الذهب للنار لتظهر جودته من رداءته، مما يعني أن الفتنة هي تمحيص وتفنيد لاستخلاص الغث من الثمين، هذا يعني أن الفتنة هي غربلة لاكتشاف معادن الناس، وهو ما عبر عنه الحديث الشريف «كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه وتبقي حثالة الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختفوا وكانوا هكذا»- وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه الشريفة- فقالوا له :كيف بنا يا رسول الله إن كان ذلك؟ قال «تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم»... وفي هذا الحديث تعريف بالفتنة وأيضا طريق للتعامل معها.

وهنا أتوقف عند كلمة «تقبلون على خاصتكم»، وهم قادة الفكر الذين يراعون الله ولا يخافون فيه لومة لائم، فهل نجدهم حولنا؟ هذه في حد ذاتها فتنة أخري، هل الخاصة هم رجال الدين؟ أراهم يختلفون فيما بينهم بما يشتت كثيرين، بل رأينا بعضهم يقول رأياً ثم ينقلب لعكسه بعد فترة قليلة، بما يحدث البلبلة لدى عامة الناس بل وخاصتهم أيضا .... هل الخاصة هم رجال الفكر؟ كيف ونحن نرى رموزاً كثيرة منهم صارت تسيرها مصالح لا ندرى هل يؤمنون بها أم هي للاستهلاك الفوري؟.. هل هم رجال الإعلام؟ كيف ونحن نرى بعضهم يتحول ويتلون؟ وبعضهم يصمت، وبعضهم نتوسم فيه الصدق لكن صوته يأتي خافتاً في معظم الأحيان فلا يصل إلا لمن يبحث عنه، هذا إن وجده.........

إننا نمر بفترة عجيبة غريبة، لا نكاد نعتنق فكرة وننادي بها حتى نرى من يهزمها ويشكك فيها ويسوق الحجج التي تجعلنا مترنحين من شدة التخبط، أليست هذه هي الفتنة بعينها؟ عندما تصبح الألسنة أسلحة فتاكة قادرة على التدمير؟ ألا يذكرنا هذا بحديث المصطفي صلى الله عليه وسلم عندما قال:«إياكم والفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف».. هذا ما يحدث بالضبط الآن.

إن شر البلية أن نقع في الفتن فننشغل عن مشكلاتنا ونترك أنفسنا نهباً للجدال الذي لن يوصلنا إلا إلى اتساع الشقة والبعد عن طريق واضح ... ليتنا نفهم، فكثيرون يركضون نحو طريق غائم متصورين أنهم طالما اعتمدوا الصدق والشفافية فلابد أنهم مدركون للحقيقة، وينسون كلمة لابد أن يستوعبوها جيدا «لا يكفي أن تكون في النور لترى بل ينبغي أن يكون في النور ما سوف تراه»، فقبل أن نندفع لاتجاه علينا أن ندرس مكان خطوتنا القادمة، وهو ما لا نفعله، للأسف، فتغوص منا الأقدام في رمال متحركة قد تبتلعنا فنضيع، أنا لا أدعي أن الوضع القائم جيد، لكننا نزيده سوءاً بعدم التدبر وافتقاد الحكمة اللازمة في مثل هذه الظروف، إن اشتغالنا بالأقوال عن الأفعال وبالتشكيك عن التفنيد والبحث، وبالتخوين عن وضع قوانين رادعة نضمن سريانها على الجميع، وبالجدال عن التفكر، وبالشكل عن المضمون هو طريق هلاكنا الأكيد، وهو الذي سيجعلنا بكاملنا مغموسين في فتنة يعلم الله وحده ما ستجره علينا من ويلات... والقلب الصافي هو الذي يدرك تلك الفتن قبل أن تصبح غولاً يفتك فلا يبقي على أخضر ولا يابس.. ولنتذكر جميعا قول الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام عندما قال «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين : على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف مَعروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه»، وهذا الحديث يؤكد أن هناك من ينجو من شر الفتن لأن بوصلة قلبه سليمة وإدراكه شفاف ونفسه مطمئنة، لذلك يمكنه أن يعرف أن ما يحدث إنما هو فتنة فيعمل على مناهضتها، أو علي أقل تقدير يتجنبها، ولا ننسى في هذا المقام قول الحسن البصري «إن الفتنة إذا أقبلت عرفها العالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل» وهو ما يعني أن الجاهل لن يعرفها إلا إذا اكتوى بنارها وصار أمر فكاكه منها مستحيلاً، فقد آذته وانتهى الأمر، ليتنا ننتبه ولا نأخذ صف الجهلاء

المصدر: مجلة حواء- ايمان حسن الحفناوي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,824,123

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز