كتب : محمد الحمامصي

يقدم المخرج وكاتب السيناريو والناقد السينمائي الشهير فرنسوا تريفو في كتابه «أفلام حياتيس» الذي يريد معرفة مراحل صناعة الفيلم أو الإلمام بالفن السينمائي ومفصلاته المركبة: الفكرة، النص، السيناريو، الإخراج، الديكور، الإضاءة، التمثيل، الاقتباس، التركيب، الحوار، الإيماءة، الصورة، التصميم، البناء، العلامة، اللون، الحركة، لأن الحكاية ليست إلا أحد مكونات الفيلم، إنه يقدم رؤية شديدة الخصوصية لتلك الأفلام التي شاهدها وعرضت خلال فترات الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات، مناقشا لقضاياها وأساليبها والإضافة التي شكلتها للعناصر السينمائية، وخلال ذلك يطرح رؤيته الخاصة كصانع سينمائي.

يقول تريفو عند حديثه عن فيلم سينما بابا لكلود بيري السينما بحاجة إلى الشعر، إلى الحساسية، إلى الذكاء، إلى كل ما نريد، لكنها بحاجة ماسة إلى الحيوية كذلك. ويشير في مناقشته لفيلم « عش حياتك» لجان لوك جودار إلي أن اللاواقعية الكلية لبعض أساليب السينما سواء كانت مقصودة أم لا، هي واقعية مغرية، لكنها تسبب شيئا من الانزعاج، تسحرنا الحقيقة الأكثر قوة، لكنه قد تبقى على جوعنا في نهاية الأمر، السينما المؤثرة، هي ذات الفائدة. لا يهم إن خلق هذا الانفعال علميا، كما هو الشأن بالنسبة لهيتشكوك وبروسون، أو خلق من الانفعالية التواصلية كما هو الحال بالنسبة لروسيليني وجودار.

ويضيف هناك أفلام نحبها وتثبط الهمة، ما الفائدة، من السعي وراءها، ... إلخ، إنها ليست الأفضل، لأن الأفلام تعطي الانطباع بفتح الأبواب، كما تعطي الانطباع بأن السينما تبدأ منها أو تنطلق منها ثانية.

يؤكد فرنسوا تريفو في كتابه أن النجاح على الشاشة ليس بالضرورة نتاج الاشتغال الجيد لذكائنا بل يعود إلى تناغم العنصرين سابقي الوجود اللذين لم نكن نعيهما أصلا : الاتحاد السعيد للموضوع المختار مع طبيعتنا العميقة، التوافق غير المتوقع ما بين اهتماماتنا، في هذه اللحظة من حياتنا، وبين اهتمامات الجمهور بأحداث الساعة.

ويرى أن رغبة الناس في مشاهدة فيلم من عدمها لنسمي ذلك قوة جاذبيته، أقوى من حيث النقد، لم يستطع النقد التقريظي، بالإجماع، أن يأخذ الجمهور إلى القاعات حيث تعرض أفلام الليل والضباب لآلان ريسني، حول النفي، الفراغ والجفاف لنيلسون بيريرا حول المجاعة والجفاف في البرازيل، جوني يمسك ببندقيته لدالتون ترامبو حول جندي فقد الرجلين واليدين والبصر والكلام.

ويضيف تريفو أن أمثلة الرفض هذه تقترح تأويلين، أولهما يخطئ المخرج عندما يعتقد أن المنتج أو مدير القاعات أو الناقد أعداء له، كل واحد من هؤلاء يتمنى بإخلاص أن تنجح هذه الأفلام، إذن، والحال هذه، فإن العدو الحقيقي للفيلم هو الجمهور الذي يمكن التغلب على سلبيته بسهولة، يعود الفضل لهذه النظرية في كونها ليست ديماغوجية، لأنه من السهل دائما أن نداهن الجمهور، هذا الجمهور الغريب الذي لم يره أحد. من السهل إرهاق رجال المال الذين يريدون إنتاج وتوزيع واستغلال كل الأفلام التي يهتمون بها، والتأويل الثاني أنه يوجد في فكرة العرض السينمائي وعد بالمتعة، وعد بالإثارة يناقض صيرورة الحياة، أي المنحدر النازل: تدهور، شيخوخة وموت، أوجز وأبسط: العرض شيء يتصاعد، الحياة شيء ينزل، وإن نحن قبلنا برؤية الحياة هذه، سنقول إن العرض، على عكس الصحافة، يؤدي وظيفة الوهم، لكن رجال العرض الكبار هم أولئك الذين يفلحون في عدم السقوط في الوهم، ويتمكنون من جعل الجمهور يتقبل حقيقتهم، دون معاكسة القانون التصاعدي للعرض، هؤلاء يجعلون الآخر يقبل حقيقتهم وجنونهم أيضا، لأنه لا يجب علينا أن ننسى بأن على الفنان أن يفرض جنونه الخاص على حضور أقل جنونا منه، أو أن جنونه متنوع.

ويتساءل تريفو هل تفضلون أن تخاطروا بأن يتجاهلكم النقد كلية وألا يكون عملكم موضوع أي سطر مطبوع، نعم أم لا؟. ليس لنا أن نفرض على النقد أشياء كثيرة، وبخاصة أن يشتغل كعلم دقيق، ولأن الفن ليس علميا، لماذا يجب على النقد أن يكون كذلك؟ إن المؤاخذة التي يمكن أن نبديها تجاه بعض النقاد ـ أو الفيلم ليس هو الفيلم، يجب أن نقبل أيضا بأن الأفلام ليست نفسانية كلها، وعلى الناقد أن يتأمل جيدا مقولة جان رونوار كل فن عظيم هو مجرد عليه أن يعي الشكل ويفهم أن هناك من الفنانين من لا يبحث عن المشابهة ومن هؤلاء دراير وفون ستيرنبرج.

يذكر أن فرنسوا تريفو 1932-1984 مخرج وكاتب سيناريو وناقد سينمائي فرنسي، من أهم أعماله السينمائية: العروس ترتدي الأسود، جول وجيم، حكاية اديل، الليل الأمريكي، المترو الأخير، ومن مؤلفاته النقدية: هيتشوك، رامساي،وهما عملان يتعلقان بقضايا السينما ، وقد اشتغل ناقدا سينمائيا في عدة صحف ومجلات وعرف بشجاعة استثنائية وعبقرية لافتة ودقة في التقييم .

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,454,847

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز