كتبت : سكينة السادات

  هى سيدة جميلة بمعنى الكلمة! طويلة، رشيقة، جميلة الوجه والقوام، أنيقة، هادئة، ذات عيون سوداء آسرة، وفوق هذا وذاك مثقفة وجامعية، وخجولة، باختصار إنسانة مريحة من كل النواحى، ولكن أين الحظ كما تقول؟ تقول إن الحظ تخلى عنها وهى فى ريعان الشباب إثر غلطة غير مقصودة من أحب الناس إليها، ثم بدأت حياتها فى التخبط والعثرات وعوامل أخرى منها سوء الاختيار والتسرع وبعض نوازع النفس البشرية الداعية للانتقام أحيانا والانتصار على الخصم أحيانا أخرى حتى صار الشكل العام أمام الناس غير الحقيقة وغير ما فرضه القدر دون اختيار، وخلاص قالوا إننى مزواجة!!

 

هذه هى قارئتى ياسمين (44 سنة) خريجة كلية الآداب الفرنسية والتى تعمل مدرسة للغة الفرنسية بإحدى مدارس اللغات الخاصة التى تدفع لها مبلغا كبيرا نظرا لإجادتها لمادتها العلمية وانتظامها الشديد فى العمل وحب طالباتها لها حبا شديدا من شدة اهتمامها الشخصى بكل واحدة منهن على حدة وصبرها عليهن حتى تجيد وتنجح كل واحدة دون أى درس خصوصى، ولا شىء أكثر من راتب المدرسة الذى تقول إنه مجز وإنها لا تتطلع إلى أكثر منه وكل هدفها هو مصلحة الطالبات.

 

قالت لى ياسمين وهى تحتسى معى كوبا من الشاى فى مكتبى بدار الهلال.

طلبت مقابلتك لأننى أريد أن أفضفض وأزيح عن صدرى بعض الهّم وبعد أن أيقنت أن هناك من تربطنى بهم صلة الرحم والدم لكنهم لا يفهموننى مهما حاولت أن أشرح موقفى، وأنا لا انتظر حلا لمشكلتى فهى بلا حل إلا لو رأيت أنت غير ذلك!

قالت.. من البداية أقول لك عن أسرتى إنها أسرة فوق المتوسطة فقد كان والدى لواء بالجيش المصرى وكان يملك أفدنة كثيرة فى بلدتنا «الفيوم» وأمى كانت أكثر منه ثراء إذ كان والدها تاجرا معروفا وكان لهم - أقصد لأسرتها - محال تجارية كبيرة فى القاهرة والمحافظات لكننا كنا نعيش حياة ليست فيها أية «فشخرة» ولا ترف زائد لأن أبى وأمى كانا من الناس المتدينين الذين ينفقون فى الخير أكثر مما ينفقون على أنفسهم!

تستطرد السيدة ياسمين.. تخرجت فى الجامعة والتحقت بالتدريس بمدارس «راهبات الميردى ديو» وتقدم لخطبتى خطاب كثيرون لكن والدى ووالدتى لم يوافقا إلا على ابن عمتى وكان ضابطا أيضا بالقوات المسلحة وكان إنسانا جميلا يعشقنى منذ أن كنت طفلة صغيرة! وكنت أنا أحبه على استحياء فى صمت.

باختصار ياسيدتى.. تزوجنا وقبل زوجى أن أواصل عملى فى التدريس لطول غيابه فى عمله «بالجبهة» ثم حملت فى طفلى الأول وطارت الأسرة فرحا ولكن للأسف فوجئت بنزف حاد دون بسبب ظاهر وفقدت جنينى وحزنت ثم حملت فى طفلى الثانى والثالث وحدث نفس الشىء الذى حدث لجنينى الأول وللأسف عولجت علاجا يبدو أنه كان خاطئا عند أشهر طبيب أمراض نساء فى ذلك الوقت وكانت النتجية نزفا دائما بحمل وبدون حمل حتى وصلت إلى مراحل الإغماء والأنيميا وهبوط فى الدورة الدموية أى الموت المفاجئ وعندما عاد زوجى ثائرا من الجبهة وصرخ فى وجه الطبيب فقال له الأخير.. لا أمل فى حياتها إلا إذا استأصلنا الرحم فلابد أن تأخذ قرارا إما حياتها أو استئصال الرحم الذى أعيتنا الحيل لعلاجه بلا جدوى!!

بكت أمى وبكى أبى وبكيت أنا وقلت له:

- أموت أحسن يارامى لا أريد أن أعيش وأحرمك من الإنجاب!

واجتمع زوجى بأبى وأمى والكل قرروا إنقاذ حياتى باستئصال الرحم فورا بعد أن توقف قلبى عن العمل من شدة الإعياء!!

واستطردت قارئتى ياسمين.. ذهب رحمى وذهب أطفالى الثلاثة بدون رجعة وتعمق الحزن فى قلبى، ولما كانت المصائب لا تأتى فرادى فقد منيت بمصيبة أكبر!!

ماذا حدث لياسمين..

الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية

المصدر: مجلة حواء- سكينة السادات
  • Currently 1/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 814 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,886,983

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز