انتحار مواطن شريف

كتب :طاهر البهي

نشرت صحيفة اليوم السابع خبرا على مساحة ثلاث أعمدة ،وهى مساحة ليست بالقليلة، ولو كنت صاحب قرار النشر ـ مع شديد تقديرى للزميل خالد صلاح رئيس التحرير النشط ـ لجعلت من الخبر صفحة أولى حتى ينتبه أكبر عددا من الناس والمسئولين لمدلول الخبر، مدلوله التربوى والاجتماعى والنفسى والقضائى والأمنى ............

وقبل أن يتهمنا أحد بالمبالغة والتهويل، تعالوا نستعرض الخبر، مع ملاحظة أن العرض ليس نصيا ولكنه مطابق تماما لمحتوى خبر الصحيفة الغراء، وإن كنت أعتذر مقدما عن نسيان اسم الزميل المحرر، بعد أن طويت الصحيفة واستغرقنى تماما تحليل إشاراته ومحتواه.

مضمون الخبر كالتالى: ألقى شاب ـ لم نتبين عمره فى النص المذكور ـ بنفسه فى أعماق نهر النيل من أعلى كوبرى عباس بعد أن ترك حافظة نقوده وبعض أغراضه، على سطح الكوبرى، وربما كان قصده من ذلك أن يكشف للمارة عن شخصيته رأفة بأهله الذين كانوا سيستغرقون أياما وربما أسابيع فى البحث عنه والتوصل إلى مصيره، وهو أمر قد يكشف عن ود ومشاعر مرهفة من جانبه تجاه الأهل........

المفاجأة المذهلة التى لم تعد مفاجأة بالنسبة لنا فى " مصر الزحام والمنافسة المحمومة على إكتناز المال "، حتى أصبح ـ وحده ـ بالنسبة للبعض، بصرف النظر عن مصدره، زينة الحياة الدنيا، وبهجتها، وموضع قوتهم، وسر بطشهم الذى يساعدهم على القفز فوق الأسوار العالية، وركوب الأمواج العاتية، والتنعم بالقرب من الكبار الأكثر حظا وحظوة .. المفاجأة أن الشاب المواطن الشريف الذى راعى أهله فى أخطر وأسوأ قرار ممكن أن يتخذه إنسان.. وهو الانتحار معاذ الله، كان واحدا من الأهل ومن أقرب المقربين هو السبب الرئيسى فى الجريمة، كان هو الدافع والمحرض بطريق غير مباشر على الجريمة النكراء؛ فقد نشب خلاف بينه وبين أحد أفراد الأسرة ـ الشقيق مع الأسف والأسى ـ حول مستحقات مالية للشاب المنتحر، قادته فى النهاية إلى ذلك المصير المؤسف الذى يغضب الله عز وجل.

قبل أن نلقى التهم جزافا ويتطوع أحدنا بأن يتهم الشاب المنتحر بعدم توازنه النفسى، نتطوع ونتقول إن تاريخ الشاب لا يحمل أية مؤشرات لذلك، فهو شاب يعمل فى مطعم شهير جدا ،من المنتظر أنه يحسن اختيار عامليه، وهو يعمل فى توصيل الطلبات للمنازل ـ هوم ديليفرى ـ ضمن من اصطلح على تسميتهم بالطيارين، وهو عمل يتطلب اليقظة والمهارة، وإن وقع له خلل ما فمن الواضح أنه لسبب طارئ، نرجح أنه بسبب حقه الضائع الذى من المؤكد أنه قد استنفذ كل الطرق الودية والقانونية لاسترداده حتى اصطدم بحائط اليأس والإحباط وقلة الحيلة.. وتفرض الملاحظات التالية نفسها على المتابع المدقق.

تربويا: كل اللوم على الأسرة التى لم ترب أولادها على الأمانة، والأشقاء على إحترام الشقيق لشقيقه، وعدم ( أكل ) الحقوق، وأن سعادة فرد من أفراد الأسرة هى فى حد ذاتها سعادة للجميع، وأن الكبير عليه واجب حماية الصغير.

اجتماعيا: على علماء الاجتماع الأجلاء أن يقدموا دراساتهم الجادة حول ماذا يحدث فى مصر الآن... أكرر: الآن، فيؤسفنى أن أقول إننى فى بدايات حياتى الصحفية استطلعت رأى بعض علمائنا الأجلاء حول قضايا معينة، ثم رحت استطلع الرأى حول القضية نفسها بعد سنوات، فجاءت الإجابات طبق الأصل!

نفسيا: يا سادة.. الشخصية المصرية تتغير بفعل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتسارعة والمتلاحقة، ومواجهتها أهم بكثير من برامج المطبخ التى تلتهم أوقات الذروة على الشاشات الحكومية والخاصة.

سياسيا: أشعر أن خبر انتحار مواطن بسبب تأخر العدالة باشتراطاتها الورقية والمستندية هو خبر يجب أن تهتز له الحكومة.. أو على الأقل تأسف له

المصدر: مجلة حواء -طاهر البهي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 699 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,727,529

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز