احذري متابعة أطفالك للكوارث
شاشات الموت .. تزرع الخوف
كتبت :مروة لطفي
فجأة استيقظت على صرخة مدوية .. فهرولت إلى حجرة طفلى الذى لم يتجاوز السادسة من العمر .. لأجده ملتصقاً بمقعده أمام التلفزيون وكل ذرة في جسده ترتجف من الخوف .. وعندما سألته عما أصابه انفجر في نوبة بكاء هستيرى بينما عجز لسانه عن الكلام و أشار بإصبعه إلى الشاشة الصغيرة ... وهنا أدركت سر هلعه .. فقد شاهد حادث قطار أسيوط الذي راح ضحيته أطفال مماثلون له في العمر .. بعدها، انتابته حالة غير مفهومة فتارة يبكى رافضاً الذهاب للمدرسة و أخرى ينهال ضرباً على أصدقائه ... فضلاً عن الكوابيس المفزعة التى تطارده كلما خلد إلى النوم .. فماذا أصابه بالضبط ؟! وكيف أعيده إلى سابق عهده ؟! ...
بعد تكرار الحوادث الأخيرة وكان أكثرها دموية وتأثيرا حادث قطار أسيوط الذي راح ضحيته أطفال في عمر الزهور بدأ السؤال ملحا :كيف نجنب أولادنا تداعيات هذه المآسي لتستقيم حالتهم النفسية .. يبدو أن هذه الأم ليست الوحيدة التى يعانى طفلها ، فغيرها الكثيرات منهن سعاد عبد العال " موظفة " تقول : منذ أن شاهدت طفلتى التى تبلغ 8 سنوات الغارات الجوية التى شنتها إسرائيل على غزة و راح ضحيتها العديد من الأطفال و هى تعانى من رعب و هلع .
ورغم محاولاتي المستميتة لتهدئتها إلا أنها لا تكف عن التساؤل عن هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون للموت فى كل دقيقة .. وازداد الوضع سوءاً عند رؤيتها لحادث قطار أسيوط حيث شعرت باقتراب الموت منها فباتت تخشاه طوال الوقت مما انعكس على استذكارها .. والكارثة الأكبر أنها تعانى منذ يومين من التبول اللاإرادي أثناء النوم و لا أعرف كيفية مساعدتها ..
أتوبيس المدرسة
و تؤكد داليا عامر " ربة منزل " على رفض أطفالها الثلاثة الذين يدرسون بالمرحلة الابتدائية لركوب أتوبيس المدرسة منذ حادث القطار خاصة أنهم يسيرون على مزلقان فى طريقهم للمدرسة .. الأمر الذي يضطرني إلى توصيلهم من وإلى مدرستهم يومياً ولا إدري متى ينتهي هذا الوضع ؟!..
عدواني و لكن
أما ريهام ساهر " محاسبة " فمشكلة ابنها مختلفة وعنها تقول : مع كثرة مشاهدة طفلى البالغ 12 عاما لصور مختلفة من الحوادث اليومية التى يتعرض لها الصغار بدءاً من صورة الرضيع المحترق من جراء القذف الإسرائيلي على قطاع غزة والتي بثتها بعض المواقع الإلكترونية وانتهاء بصور الأطفال الذين راحوا ضحايا لحادث القطار .
وبدأ سلوك طفلي يتدهور من سيئ إلى أسوأ فأصبح العنف والعداء طاغياً على أسلوب تعاملاته .. معلناً أن الهجوم خير وسيلة للدفاع وذلك حتى يتجنب مصير ما يتعرض له الأبرياء على حد قوله .. ولأنني تعبت من مناقشاته دون جدوى فأتمنى إيجاد حل عندكم .
بينما تحدثنا هدى فوزى " ربة منزل " عن مشكلة طفلتها التى تبلغ 9 أعوام قائلة : زوجى أستاذ جامعي بإحدي جامعات الأقاليم ، لذا يضطر لركوب القطار ثلاثة أيام أسبوعياً للذهاب إلى عمله .. وقد لاحظت بكاء صغيرتى ليل نهار و انعزالها على غير عادتها .
وبعد إلحاح منى لمعرفة سر حزنها .. اعترفت بخوفها على والدها من الموت كلما سافر إلى عمله .. وقد فشلت في اقتلاع هذه الفكرة من مخيلتها ..
توابع نفسية
وتعلق د. نادية نظير جريس استشاري الأمراض النفسية والعصبية على المشاكل السابقة قائلة : عادة ما يتأثر الصغار بما يشاهدون من أحداث و حوادث خاصة إذا راح ضحيتها أطفال مقاربون لهم في العمر ، فينعكس ذلك سلباً على نفسيتهم و تبدأ معاناتهم وهو ما نطلق عليه علمياً " اضطراب ما بعد الصدمة " فتظهر أعراضه في صورة خوف اكتئاب وأحلام مفزعة يصاحب ذلك رفض للذهاب إلى المدرسة كذلك يعانى بعض الصغار من تغير سلوكى فيصبحون أكثر عنفاً أو يجنحون للعزلة والانطواء .
- وتضيف د. جريس : أن نوع الصدمة ومدتها تختلف من طفل لآخر وفقاً لطبيعة شخصيته و البيئة المحيطة به .. وهنا يأتي دور الأسرة التي يقع عليها عبء مراعاة تجنب تكرار أطفالها لتلك المشاهد عبر وسائل الإعلام خاصة قبل مواعيد النوم فضلاً عن أهمية إمدادهم بالحب والحنان لإشعارهم بالاطمئنان ودائماً ما ننصح الأسرة باستشارة مختص إذا استمرت مخاوف الطفل لفترة طويلة وتزايدت مضاعفاتها لدرجة أثرت على استذكاره وعلاقته بالمحيطين .
الأسرة والمدرسة
و تتفق د. رحاب أحمد لطفي -أستاذة الإعلام التربوي بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة - مع الرأي السابق و تضيف : أن الأسرة والمدرسة عليهما دور أساسي في علاج الآثار النفسية الناجمة عن مشاهدة الصغار لهذه الحوادث حيث يؤدى إهمال العلاج إلى إصابة الطفل بفوبيا الخوف أو يحدث العكس ليصبح متبلد المشاعر .
و لأن الوقاية خير من العلاج فعلى الأسرة النظر لنصف الكوب المملوء دائماً بدلاً من التركيز على النصف الفارغ بمعنى توظيف الحدث فى بث مفاهيم إيجابية للصغير والتي تختلف وفقاً لمرحلته العمرية ففي مرحلة الحضانة وحتى 9 سنوات يحتاج الطفل لمن يشعره بالأمان .
كذلك من الضرورى تعريفه بمعنى القضاء و القدر حتى تهدأ نفسيته ثم يأتي دور المدرسة التى يقع عليها تعريف الصغار بالفرق بين الحوادث الناجمة عن أقدار خارجة عن الإرادة و بين الإهمال وحثهم على عدم الاهتمام بدروسهم باعتبار إهماله أول طريق التورط فى حوادث يدفع ثمنها الأبرياء .
روح الانتماء
وينتقل الحديث إلى زاوية أخرى وهي بث روح الانتماء في أطفالنا ، تقول أستاذة الإعلام التربوي : علينا من عمر 9 إلى 12 سنة توظيف مثل هذه الحوادث لبث روح المواطنة و الانتماء باعتبار عدم الحفاظ على أرواح المواطنين أحد أشكال فقدان الانتماء ، فضلاً عن أهمية تعريف الصغير بدور المسئول وحدود هذه المسئولية .
وأخيراً من سن 12 سنة فما فوقها علينا تعليم الأبناء كيفية التحكم فى انفعالاتهم والتعبير عنها بشكل إيجابي حتى نصل لأهدافنا دون أن نترك أنفسنا فريسة لغضبنا فنفقد حقوقنا
ساحة النقاش