رغم كل مايحزننا

مازال فى الإمكان أبدع مما كان

كتبت :أمــل مبروك

من حادث تصادم فى أسيوط - بين قطار وأتوبيس مدرسة - يودى بحياة مايقارب خمسين طفلاً إلى المجزرة الإسرائيلية فى غزة .. ومابينهما من حوادث تقع فى سيناء وخلافات لاحصر لها على مسودة الدستور وأسعار لاتتوقف عن الارتفاع ونقص فى البنزين والسولار .. وغيرها من المشاكل والاعتصامات، كلها أزمات تحتاج لإدارتها بشكل صحيح، فالأزمات بكل أنواعها لها دور مؤثر في تاريخ الشعوب والمجتمعات سواء على صعيد الهدم أو البناء, وقراءة متأنية فى هذا المجال ستجعلنا نتلمس خيطاً يقودنا إلى حقيقة مفادها أن المجتمعات التي اعتمد الهرم القيادى فيها على إدارة عالية الكفاءة في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عوداً وأكثر نجاحا من الدول التي انتهجت أسلوب التصدى المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة مع بؤر الصراع والمشاكل، مما أدى بالتالى إلى ضعفها وتفككها، فالأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل البناء والارتقاء والانحدار.

ولو أمعنا النظر في ثنايا الأحداث التاريخية الكبرى لوجدنا أن الأزمة على مر العصور تتوسط المراحل المهمة في حياة الشعوب, فبين كل مرحلة وأخرى ثمة أزمة تحرك الأذهان وتشعل الصراع وتحفز الإبداع لتمهد السبيل إلى مرحلة جديدة, ومن هنا نشأت أفكار جدية من أجل دراسة وتحليل الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر وتأخير الأزمة اللاحقة إن تعذر تعطيلها.

بعد الصدمة

إذا حاولنا معرفة الأسباب المؤدية إلى تكرار حدوث الأزمات لدينا سنجدها محصورة فى سوء التقدير والمركزية الشديدة وتعارض الأهداف والمصالح بالإضافة إلى عدم التخطيط الفعال .. وعلى أية حال فإن الأزمة يصاحبها نقص شديد في المعلومات، ولأنها مفتاح التطور والتغيير نحو الأفضل أوالتقهقر والهلاك، فلابد من اعتماد برنامج أو أكثر، يتم تشغيله في ظروف الطوارئ، إذا ما أراد القائمون على الواقع السياسي والإدارى فى بلدنا تفادى مصير التقهقر والهلاك, وهذا البرنامج عبارة عن منهج لتجميع المعلومات اللازمة عن مسببات الأزمة وتحليلها واتخاذ القرار المناسب بشأنها بشكل سريع وفاعل.

وفى هذا الإطار يقسم الباحثون الأزمة إلى عدة مراحل، أولها الصدمة: وهى التى تتكون نتيجة الغموض وتؤدى إلى الارتباك والشعور بالحيرة وعدم التصديق لما يجري وهي مرحلة تتناسب عكسيا مع مدى معرفة وإدراك الإنسان، وأعتقد أننا فى مصر قد تخطينا هذه المرحلة من كثرة ماواجهناه من حوادث برية وبحرية يفقد بسببها العشرات والمئات أرواحهم، وثانيها التراجع: حيث تبدأ بوادر الاضطراب والحيرة بالظهور بشكل متزايد ويصاحبها زيادة فى حجم الأعمال الفوضوية التي لا جدوى منها، والمرحلة الثالثة هى الاعتراف: وهنا تتجلى عقلانية التفكير - فيما بعد امتصاص الصدمة - حيث تبدأ عملية إدراك واسعة ومراجعة للأزمة بهدف تفكيكها، ثم تأتى مرحلة التأقلم: حيث يتم استخدام استراتيجيات معينة بالإضافة إلى استخدام الموارد البشرية والمادية للتعامل والتخفيف من آثار الأزمة. وما لم يتم التعامل بذكاء وحذر في هذه المرحلة فإن الأمور سوف تتجه إلى خط بياني نحو الكارثة - لاقدر الله - وقد أطلقت على هذه المرحلة تسميات أخرى من أبرزها "الإنذار المبكر" أو "اكتشاف إشارات الخطر", وهي بهذا المعنى أولى خطوات إدارة الازمة تليها مجموعة أساليب وقائية تتابع أحداث الأزمة وتحدد لكل فرد في فريق العمل دوره بمنتهى الوضوح. وتهيئ وسائل عمل وتحد من الأضرار وتمنعها من الانتشار.

الحلول غير التقليدية

وهناك نوعان من أساليب حل الأزمات : الأول معروف متداول ويصطلح عليه بالطرق التقليدية، والثاني غير تقليدى، أما التقليدى فيعتمد على إنكار حدوث الأزمة وإظهار صلابة الموقف وأن الأحوال على أحسن ما يرام، ويكون ذلك في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي ترفض الاعتراف بوجود أى خلل فى كيانها الإدارى .. وأعتقد أننا تخطينا هذه المرحلة بقيام ثورة يناير، أما الطرق غير التقليدية فيؤكد الباحثون فى علم إدارة الأزمات أنها أكثر مناسبة لروح العصر ومتوافقة مع متغيراته، وأهمها : طريقة "فرق العمل" التى تتطلب وجود أكثر من خبير ومتخصص في مجالات مختلفة حتى يتم حساب كل عامل من العوامل المؤدية للأزمة و تحديد التصرف المطلوب منه، وهناك طريقة "المشاركة الديمقراطية" وتستخدم عندما تتعلق الأزمة بالأفراد أويكون محورها عنصراً بشرياً.. وتعنى هذه الطريقة الإفصاح عن الأزمة وعن خطورتها وكيفية التعامل معها بين الرئيس والمرؤوسين بشكل شفاف وديمقراطى، وهناك طريقة "تفتيت الأزمات"..وهي الأفضل إذا كانت الأزمات شديدة وخطرة وتعتمد هذه الطريقة على دراسة جميع جوانب الأزمة لمعرفة الأسباب والقوى المشكلة لها وتحديد إطار المصالح المتضاربة والمنافع المحتملة لأعضاء هذه المصالح ثم ضربها من خلال إيجاد زعامات مفتعلة ومكاسب متعارضة معها، وهكذا تتحول الأزمة الكبرى إلى أزمات صغيرة مفتتة، وبالتالى يسهل مواجهتها والقضاء عليها واحدة تلو الأخرى.

أرجو أن نبدأ الآن وليس غداً أو بعد قليل فى إعداد وتنفيذ برامج قصيرة وطويلة الأجل حتى نمنع انتشار مانعانيه من أزمات ومشاكل ثم يصبح بإمكاننا التعامل معها ثم حلها.. ولاداعى لليأس والإحباط لأنه دائماً وأبداً يظل فى الإمكان أن نفعل ونأتى بأبدع مما كان، والدليل على ذلك نجاح المصريين فى القيام بثورة يناير بعد ثلاثين عاماً من الخمول والخنوع والاستسلام

 

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 583 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,769,775

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز