كتب- طاهر البهى

العمل على خدمة الناس والتواصل معهم، والاستماع إلى أنينهم وشكاواهم، هو بلا شك عمل نبيل، ويأتى فى مقدمة النعم والخصال التى اختص بها الله سبحانه وتعالى الإنسان، وأشكر الله عز وجل أن سخر الظروف لأكون واحدا ممن ينصتون إلى نبض المهمومين والحزانى والأرامل والمكلومين والثكالى.

تصلنا فى حواء شكاوى مؤلمة، غاية فى القسوة، وإن كنت لا أستطيع أن أميز بين شكوى وأخرى، فهناك شكاوى تتحدث عن «الهم العام» ولها كل الإصغاء والاحترام، وهناك نوع آخر من الشكاوى تفصح عن شكاوى خاصة جدا، معظمها مؤلمة، وغالبيتها - بكل أسى وأسف - لا حل لها عندنا، ولذلك قد نتردد فى نشرها، لأنها تسبب الألم، وتكشف عن العجز، وفى السياق نكشف عن ملاحظة غاية فى الخطورة والأهمية، وهى أننا لمسنا وبصدق وشفافية مطلقة، عن امتناع السادة المسئولين التنفيذيين عن تقديم أية حلول عاجلة لما نشرناه منذ فجر يوم ثورة 25 المجيدة وحتى اليوم، وهو أمر لم نعتد عليه، ولم يصادفنا بهذا الإصرار العجيب، خاصة من جانب السادة الوزراء والمحافظين المتعاقبين على شئون المحروسة، فيما كانت الردود تأتينا صباح يوم الصدور قبل ذلك التاريخ !

فى حين انحصر الاهتمام من جانب ردود أفعال القراء الكرام، وكأن هناك انعزال أو «جدار خرسانى» أقيم بين أنين الناس والمسئولين عنهم!

ما علينا ....

أقول هذا بمناسبة تراكم عشرات الرسائل التى تخاطب الدولة، ونشفق على أصحابها من انتظار ردود لن تأتى!

وقد جاءتنى هذه الرسالة : «السيد......، سبق وأن تحدثت معكم عبر الهاتف، بخصوص ابنى الأكبر حسام محمود، الذى قارب عمره على الأربعين، وذكرت لكم ملخصا لقصته، فقد كان الابن ضمن المتفوقين فى دراسته منذ الابتدائى فالاعدادى، وبعد أن وصل إلى المرحلة الثانوية عام 1991، لاحظنا أنه بدأ يردد كثيرا أن حال البلد لا يسر عدو ولا حبيب، واكتشف أن طموحه فى التفوق لا معنى له فى ظل انتشار وتكاثر الوساطة والمحسوبية، فالعمل دائما فى الصفوف الأمامية محجوزا للأهل والأقارب ومن بمقدوره أن يدفع المقابل من ماله وشرفه للفاسدين، وبدأ ابننا يسعى سعيا جادا للهجرة - أو النجاة - إلى دول وقارات تحترم الجميع بلا تفرقة بين الأبيض والأسود، ولا بين عربى وأعجمى إلا بالاجتهاد والابتكار، وفوجئنا بعد ذلك - أو أصبح نتيجة لذلك - بالابن يتعثر لأول مرة فى دراسته، فتحول عن دراسته العلمية إلى الأدبية، ورغم ذلك حصل على مجموع أقل بكثير من تفوقه السابق، فالتحق بمعهد تجارى، فأصيب بالصدمة الثانية، ودخل فى شرنقة الاكتئاب لعدة سنوات (!)، بل وهجر الأصدقاء وعاش وحيدا فى عالمه داخل جدران غرفته، ودخل العيادة النفسية، وظل يعالج لمدة سنوات، وأخيرا قال لنا الطبيب أنه شفى، فافتحت له مشروعا تجاريا بما تيسر لى من مكافأة المعاش، ففشل فشلا ذريعا، ورشحت له أكثر من فتاة للزواج ولكنهن أفصحن لى عن أن ابنها «ليس مدردح كشباب هذه الأيام» .

وتستطرد الأم التعسة حكاية ابنها قائلة :

ابنى وصل الآن إلى سن الأربعين، وهو عاجز عن العمل، عاجز عن الزواج، عاجز عن إقامة علاقات اجتماعية سوية، بسبب احباط النظام السابق الفاسد له ولجيله كله، بسبب اكتشافه عدم القدرة على تحقيق طموحاته وأهدافه الإنسانية المشروعة.. لا أدعى إن ابنى قادر الآن على العمل والابتكار رغم ذكائه المشهود، ولكن أقول صراحة أن ابنى هو أيضا من شهداء الزمن الفاسد.

سيدى .. عمرى الآن 67 عاما، والقادم من العمر يعلمه الله تعالت قدرته، وشبح الموت يطارد تفكيرى، لست قلقة من الوفاة، فأنا والحمد لله أعمل ما استطيعه لآخرتى، ولكنى فزعة على ابنى .. من سيطعمه ويسقيه.. أطالب الدولة المسئولة عن رعاية أبنائها ومواطنيها، بأن تخصص معاشا استثنائيا لهذا الشاب المصاب بالعجز عن العمل، حيث أن معاش بعد الوفاة لن يكفيه لأيام قليلة، علماً بأنه لن يقبل المساعدة - من أى نوع - من الآخرين، فهو لن يقبل التسول.

هل هذا كثير على من حطمه الفساد وغلق نوافذ الأمل؟

ولها أقول : سيدتى أشفق عليك كثيرا من انتظار أمل كاذب نعوله على مسئول هنا أو هناك فى ظل هذا الارتباك القائل .. ولكننى شخصيا لا أملك إلا أن أقول لك : انتظرى .. لعل الفرج يكون قريبا 

المصدر: مجله حواء- طاهر البهى

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,813,535

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز