تعالوا نلعب الديمقراطية صح

  بقلم :أمل مبروك

تمضى بنا الأيام وتجر وراءها أعوام، ونحن في سباق مع امع بداية العام الجديد

 

لزمن، ولكن عقلنا الباطن لا يلبث إلا أن يرجع إلى الوراء يتذكر الماضي سعيداً كان أو مريراً، يتذكر البراءة والطفولة، ويمر شريط الذكريات في عقله سريعاً، وربما تخطر على باله كثير من الأسئلة : لماذا فعلت تلك الأشياء ؟ لماذا تغير الناس ؟ لماذا تغيرت حياتي ؟ وغالبا لا يملك الإجابة عن تلك الأسئلة فيعلن استسلامه ويرفع رايته البيضاء لينسحب ويرجع لزمنه الحاضر .

وخلال العام الماضى قطعنا أشواطاً واسعة من التجارب والآلام والتضحيات التي أصبحت أكثر من كافية لتحقيق هدف سعينا إليه جميعا منذ ثورة 25 يناير، وهو الحياة الديمقراطية التى توفر لنا العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية .. لكن الواقع يقول إن هدفنا لم يتحقق بعد، وإن كان على مرمى البصر وليس بعيدا عنا .

فى مهب العواصف

فى مدينة أثينا اليونانية وقبل الميلاد كان الرجال يجتمعون في الساحة العامة ويقترحون القوانين ويصوتون عليها، ثم يتم اختيار بعض الرجال من خلال القرعة، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ثم تطور هذا السلوك بعد اقتباسه في العصر الحالي وأطلق عليه لقب "الديمقراطية"، فلم تعد تعني حكم الشعب لنفسه بشكل مباشر ، بل بات يقصد بالحكم الشعبي الأجهزة التنفيذية والتشريعية التي ينتخبها الشعب من أجل تمثيله والتحدث بإسمه .

ومن الواضح والمعروف أن إعلان نظام سياسي ما تبني خيار الديمقراطية والشروع في تفعيل آليات معينة لتجسيم هذا الخيار هو كفيل بالتخلص من الاستبداد والحكم الفردي والكف عن تسيير الشأن العام باستخدام القوة واعتماد التشريعات الجيدة واحترام نصوص الدساتير، أما الديمقراطية المعاصرة فى مجتمعنا فهي في أزمة دائمة ومازلت في مهب العواصف والهزات وهشاشة التأسيس وكأنها تحمل في ذاتها بذور فنائها وأسباب انهيارها، وذلك لبروز الفردية الضيقة والأهواء الشخصية وغياب مشاعر الوحدة والتضامن.

إن الدولة الديمقراطية تتأسس بواسطة التعددية الباحثة عن الصالح العام وليس الخاص وينبغي أن تخضع لتجديد فكري ومؤسساتي دائمين تنميهما مسائل الاتحاد والانفصال وحركة الإقبال والإدبار للثروات التي في حوزة الأفراد وتستند أيضا إلى جهاز مراقبة وعملية محاسبة يديرهما المواطنون الذين يحتكمون إلى صناديق الاقتراع والعملية الانتخابية من أجل الوصول إلى اتفاق حول الإجراءات المزمع اتخاذها في سبيل تنظيم الشأن العام وترشيد تدخل الدولة في اتجاه الخير المشترك.

مغالطات وتناقضات

لكن الأمر لدينا مختلف بسبب الإشكالية الخاصة بعلاقة الدين والعلمانية، إنها أحد أبرز الموضوعات التي نالها العبث والمغالطة لافتعال تناقضات كثيرة تؤدي لإقحام مجتمعنا وفئاته فى حلقة مفرغة من الصراع الذي يشبه سكيناً تشطر المجتمع وتعادى قضايا كالتقدم والمعاصرة والدولة المدنية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة .. إلخ

ويبدو من حجم هذه الإشكالية وآثارها أنها معدّة لأوضاعنا على وجه خاص. لأنها تتعارض مع ميل المجتمعات البشرية دون استثناء لمواءمة قضاياها المعاصرة مع موروثاتها الدينية - حتى أكثرها بدائية - استناداً لمتطلبات الواقعية والاعتدال والمصالح والقيم التي تحقق الاستقرار والتقدم والنفع لحياتها وأجيالها القادمة . هذا بينما تتزامن هذه الإشكالية ضد بلادنا مع تعاظم التفافها حول مطلب الديمقراطية واعتبارها مجالاً حيوياً لتحقيق مشروعها الخاص في دخول عصر العلم والتقدم والقضاء على ثقافة العنف والإقصاء والهمجية لصالح المواطنة والحقوق والحريات التي تصون الأوطان والمجتمعات والأفراد والمعتقدات على السواء !

وهذا الميل المتعاظم نحو الديمقراطية في مجتمعنا يحمل في طياته رغبة أكيدة وموازية لتصويب علاقة الديمقراطية بالدين والعلمانية معاً من زاويتها الصحيحة تماماً ، التي تماشي حاجة الحياة .. والمجتمع .. وحتى الفطرة الإنسانية . ونعني بها زاوية الواقعية والتعقل التي تطوي التناقض المفتعل بين الدين والعلمانية . بل تكفل احتواء الاثنين مع وضع كل منهما في قدره اللائق والصحيح .. بمعزل عن قيود المصطلحات اللفظية أو الحساسيات والعيوب وحتى الإساءات التي يتعرض لها كل منهما على السواء !!

ما نراهن عليه الآن وفى بداية عام 2013 هو الكف عن تصدير الأوهام والمتاجرة بالآلام من كافة القوى السياسية والالتزام بقواعد لعبة الديمقراطية والتركيز على ما فيه خير الوطن الذى إن تحقق سيعم علينا جميعا

المصدر: مجلة حواء - أمل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,812,541

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز