من السياسية إلى البيت العمل الجماعىث قافة غائبة

كتبت :مروة لطفي

حتى وقت قريب كنت اعتبرها رمز التعاون في العمل الذى بات عملة نادرة في هذا الزمن .. إنها زميلتي التى شاركتني نجاحاتي و إخفاقاتي على مدار مشوارنا الوظيفي .. فكثيراً ما تمنينا تعين قيادة عادلة تمنحنا فرص متساوية و تميز الأكفاء .. و أخيراَ .. تحقق الحلم و جاءتنا رئيسة تشجع على العمل الجماعي لتميز أكثرنا بذلاً للجهد .. و هنا بدأت المشكلة .. فبدلاً من أن يقربنا العمل المشترك ازداد التباعد بيننا .. و يوم تلو الآخر انقشعت غمامة التعاون الذى ارتدته على مدار أعوام معلنة رفضها المشاركة بحجة انشغالها بمهام خارقة أسندتها إليها قيادة سابقة مما يضعها في موقع خارج المنافسة !! .. على حد قولها ... تلك الزميلة ليست الوحيدة الرافضة للعمل في إطار فريق موحد فغيرها الكثيرين بكافة المجالات.. الأمر الذى يؤثر سلباً على مستقبل بلدنا .. لذا كان هذا التحقيق >>

- في البداية حدثنا الكاتب الصحفي "صلاح عيسى" عن أسباب غياب ثقافة العمل الجماعى في مجتمعنا قائلاً :عادة ما يرتبط غياب تلك الثقافة بالمجتمعات الزراعية حيث تقوم على الجهد الفردى .. فالمزارع يتحمل وحده كافة مراحل زراعة محصوله .. على عكس المجتمعات التى تطورت من الزراعات المحدودة إلى الكثيفة و من ثم تحتاج لتعاون عدد كبير من المزارعين .. ونظراً لقيام مجتمعنا على العادات الزراعية فنجد ثقافة العمل الجماعي غائبة عندنا بينما تعد من أساسيات العمل في المجتمعات الصناعية.. و يضيف عيسى أن ما طرأ على مصر من تغيرات عقب ثورة 25 يناير و ما صاحبها من ائتلافات شبابية وأحزاب جديدة تكونت يفرض علينا تغير ثقافتنا تجاه العمل الجماعى .. ومع مرور الأيام نعتاد عليه ليصبح منهجا للنجاح ليس في السياسية فحسب بل في كافة مناحي الحياة .. و في تقديرى أن مجتمعنا سوف يمر بفترة من التخبط خلال العشر سنوات القادمة حتى نعتاد على ممارسة الديمقراطية الفعلية و ما تتضمنه من عمل جماعي مصاحب لها ..

تحلل اجتماعي

و تؤكد الكاتبة الصحفية "فريدة النقاش" رئيسة تحرير جريدة الأهالي-على أن الانغماس في الذات و مخاصمة أى عمل جماعي نتج عن تحلل اجتماعي حكمنا منذ مطلع السبعينيات بإعلان سياسة الانفتاح وإهمال قاعدتي الصناعة والزراعة اللذين يؤسسان لفكرة العمل الجماعي المنظم .. فلا يمكن لشخص منفرد القيام بمشروع السد العالي أو صناعة ضخمة كالحديد والصلب ..لكن للأسف توقفت تلك المشروعات لنقع في قبضة تجار و مقاولون يعملون لصالح شركات أجنبية و قد تفاقم وجودهم قبل الثورة تحت مسمى الشركات متعددة الجنسيات .. فكانت النتيجة إهمال العمل الجماعي .. ليصبح النزوح الفردي هو سمة العصر و هو ما أدى إلى ما نعيشه الآن ..

و تشير النقاش إلى أن قيام ثورة يناير كان بمجهود جماعي لكن تحقيق أهدافها يتطلب استمرارية التواصل الجماعي و هو ما تحاول جبهة الإنقاذ الوطني عمله حالياً خصوصا بعدما تأكد أعضاؤها من عدم إمكانية نجاح العمل الفردي لذا أتمنى أن يحالفهم التوفيق ليكون تحالفهم ثمرة فريق العمل السياسي الفعال .

الذكاء مطلوب

هذا عن أسباب غياب ثقافة العمل الجماعي..لكن ماذا عن القيادات التى حاولت تطبيق تلك السياسة في مواقع عملها .. و كيف واجهت رفض البعض للمشاركة ؟

يقول الدكتور "عبد الحليم نور الدين" رئيس المجلس الأعلى للآثار سابقاً و رئيس اتحاد الأثريين المصريين :يعتبر العمل الجماعي بالنسبة لى أسلوب متبع على مدار حياتى الوظيفية .. فأنا رجل أكاديمي و من ثم تعتمد أبحاثي على العمل في إطار فريق واحد .. و لكى ينجح ذلك فالأمر يتطلب نوع من الذكاء و التنسيق فضلاً عن أهمية الاستماع إلى جميع أعضاء الفريق حتى نصل إلى قدر من التوافق .. فمشكلة التعاون العملى تكمن في عدم اعتيادنا على قبول الرأى الآخر مما ينجم عنه سوء التفاهم ..لذا دائماً ما أحرص على التوفيق بين الآراء المختلفة في فريق العمل ..

غياب التنسيق

و يعترف نور الدين أن المشكلة الوحيدة التى كانت ومازالت تواجه الأثريين هى غياب التنسيق بين الجهات المختلفة المسئولة عن حماية آثار مصر حيث يحتاج ذلك لتضافر جهود عدة وزارات "الثقافة البيئة السياحة التنمية المحلية و الداخلية" .. و نظراً لعدم وجود فريق عمل موحد لتلك الجهات فالنتيجة دائما تظهر في الفضائح التى نسمع عنها من جراء عدم تعاون تلك الجهات .. لذا أتمنى إيجاد فريق عمل يجمع بينهم من أجل مستقبل الآثار فهى تاريخ و ثروة مصر.

و من العمل الحكومي إلى الحقل الفنى و مشكلات فريق العمل واحدة .. وعنها يحدثنا الكاتب الساخر "فيصل ندا" قائلاً: عندما فتحت مسرحي الخاص و عملت بالإنتاج واجهت العديد من الصعوبات والتى ترجع للخلافات التى تنشب بين فريق العمل أحيانا لكني تغلبت عليها من خلال نزع الأنانية من جميع العاملين بالمكان فأصبح كل منهم يشعر بالانتماء للمسرح الذى يعمل به.

فلا يوجد عندي بطل للعمل بل جميعنا أبطال..كما أحرص على المساواة بين الجميع فإذا تأخر أحدهم عن موعده أو قصر في عمله حتى لو كان نجم العمل يعاقب مثله مثل أصغر ممثلا فى الرواية .. من هنا يشعر الجميع بالارتياح و يحرص كل منهم على الالتزام و التميز حتى يكون له بصمته المميزة في فريق العمل ..

ديمقراطية الأسرة

وإذا كان هناك من يسعى لتطبيق نظام فرق العمل .. فلماذا يرفضها البعض ؟ و هل للتربية دور في ترسيخ ثقافة العمل الجماعي ؟

تقول الدكتورة.."فؤادة هدية"الأستاذ بمعهد الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس:لاشك أن الاعتياد على العمل الجماعي يبدأ من مؤسسة الأسرة والتي تقوم في مجتمعنا على تبادل الأدوار بين الأب و الأم و إغفال الأبناء .. و يزداد الأمر سوء برفض رب الأسرة لمشاركة أبنائه في صنع القرار نتيجة معاناته هو شخصياً من استبعاد رأيه في عمله و انحصار القرارات العملية في رئيسه و أعوانه من أهل الثقة و ليس الكفاءة .. و هو النظام الذى كان متبعا لسنوات قبل الثورة و أدى لغياب العمل الجماعي .. لذلك أرى أن ما حدث من تغيرات مصاحبة للثورة يفرض علينا تغير السياسات السابقة ليحل التعاون مكان الفردية التى أدت لما نعانيه من مشكلات في جميع الجهات .. و لكي يتحقق ذلك على الحكومة العمل على تطبيق نظام الجودة بصرف النظر عن الشخصيات و هو نظام يقوم على تطبيق منهج معين مستمر سواء ظل المسئول فى منصبه أو تركه.

أما الأسرة فعليها مراعاة تدريب الأبناء على العمل الجماعي من خلال إشراكهم في القرارات الأسرية فضلاً عن دور المدرسة في تدريب الصغار على اللعب التعاونى مما يساعد على تنشئة جيل جديد يقدر فريق العمل و يتميز فيه ..

و تتفق الدكتورة ."سهير صالح" مدرس الإعلام التربوى كلية التربية النوعية بجامعة القاهرة- مع الرأى السابق و تضيف ..أن طبيعة العصر أصبحت تفرض علينا ضرورة الاندماج في العمل الجماعي .. و لكى يحدث ذلك علينا تدريب صغارنا على التعاون من خلال توزيع مهام متساوية من خلال مشاريع مدرسية جماعية .. مع ضرورة تميز الأكفاء حتى لا يفقد المتميز حماسه فضلاً عن خلق روح التنافس الشريف .. فإذا اعتاد الطفل على العمل من خلال فريق موحد نجح في التعاون مع زملائه فى الكبر

المصدر: مجلة حواء -مروة لطفي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,919,700

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز