حقوق الإنسان أمام القضاءl
كتب :صلاح طه
تسأل هدى إبراهيم عن حقوق الإنسان فى الإسلام أمام السلطات القضائية وكيفية معاملاته الإنسانية ولماذا لا نعلم الجنود والأمناء والضباط والعاملين فى المحاكم هذه الحقوق حتى لا يتكرر مشهد المواطن حمادة صابر الذى سحله جنود الشرطة وأهانوه بخلع ملابسه بدلا من ستره ونالوا من كرامته لتصوير الكاميرات له وهو عاريا أسوة بأخلاق رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - حين جاءه رجل وقال يا رسول الله لقد رأيت فلانا يزنى فرد عليه قائلا ألا سترته بثوبك؟
- يقول المستشار البشرى الشوربجى نائب رئيس محكمة النقض- نظرا لأهمية هذه الحقوق أمام لجان القضاء، فقد أجريت بحثا للإجابة عنها بصورة مبسطة يفهمها كل الفرقاء المتقاضين ونشر بموسوعة حقوق الإنسان المجلد الثالث ويتبين فيه كيف أرسى الإسلام منذ أربعة عشر قرنا حقوقا للإنسان فى احترام حريته وكرامته التى حباه الله إياها والتى تتفق مع كونه خليفة الله فى الأرض فضلا عن الحق فى سلامة حياته وحمايته وحماية عرضه وماله وسمعته وخصوصياته وحقوقه الطبيعية الفطرية وقد صدر هذا البيان العالمى عن حقوق الإنسان فى الإسلام فى باريس عام 1981 عن المجلس الإسلامى الدولى وهو يتضمن هذه الحقوق والحريات مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
اعتبر الإسلام أن حقوق الإنسان فروض وواجبات شرعية وهى أعلى درجة لصالح الإنسان وأن حرماته تدخل فى حمى الله تعالى شرعها الخالق سبحانه فليس لبشر أن يعطلها أو يعتدى عليها كائن أيا كان لأن لها حصانة ذاتية لا تسقط بإرادة الفرد تنازلا عنها ولا بإرادة المجتمع أو مؤسساته أيا كانت سلطاتها فهى ليست منحة من حاكم ولكنها حقوق أبدية لا تقبل حذفا ولا تعديلا ولا نسخا ولا تعطيلا بل أنها ضرورات فطرية للإنسان شرعا من حيث كونه إنسان ، وقد بلغ الإسلام فى الإيمان بالإنسان وتقديس حقوقه إلى الحد الذى تجاوز بها مرتبة الحقوق عندما اعتبرها ضرورات ومن ثم أدخلها فى إطار «الواجبات» فهى ضرورات واجبة للإنسان لا يصح تنازله عنها بل هى واجبة عليه لتصبح حياته كما أرادها الله ولتحقق مهام خلافته والحفاظ عليهاليس مجرد حق للإنسان بل هو واجب عليه يأثم إن فرط فيه ويضيف المستشار البشرى فى بحثه المهم وصف حقوق الإنسان بأنها من «الحرمات» لأن الله هو الذى تفضل بها على الإنسان وأنها عزيزة على الله فحمايتها وصونها والذود عنها قربى لله ومن هنا تأتى لها حماية وقدسية لا تتوافر فى نظريات الغرب عن حقوق الإنسان، وفى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «والله لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة بيته المحرم» (متفق عليه).. إن حقوق الإنسان أمام القضاء فى الإسلام تتمثل فى حقه وفى محاكمة عادلة وهو ما يعبر عن النص الرابع والخامس من البيان الإسلامى العالمى لحقوق الإنسان كحقه فى أن يتحاكم إلى الشريعة «فإذا تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول» وحق الفرد أن يدفع عن نفسه ما لحق به من ظلم «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، بل يدفع الظلم عن غيره من الناس بما يملك ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فيمنعه عن الظلم وإن كان مظلوما فلينصره وعلى الحاكم المسلم أن يوفر الضمانات الكفيلة بحيدة المحكمة واستقلالها ومن حق الفرد وواجب عليه إبداء شهادته الحق قبل أن تطلب منه من أجل حقوق الآخرين والجماعة ولا تجوز مصادرة حق الفرد فى الدفاع عن نفسه والبراءة هى الأصل» «كل أمتى معافى إلا المجاهرون» وهذا الأصل مستمر حتى مع اتهام الشخص ما لم تثبت إدانته أمام محكمة عادلة إدانة نهائية، ولا تجريم إلا بنص شرعى ولا يضار مسلم بالجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة ولا يحكم بتجريم شخص ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقتل المراجعة، ولا يجوز تجاوز العقوبة التى قدرتها الشريعة للجريمة ولا مراعاة الظروف والملابسات التى ارتكبت فيها الجريمة من مبادئ الشريعة ولا يؤخذ إنسان بجريمة غيره «ولا تزر وازر وزرة أخرى» وكل إنسان مستقل بمسئوليته عن أفعاله ولا يجوز بأى حال أن تمتد المساءلة إلى ذويه من أهل وأقارب وأصدقاء وهذا ما انتهى إليه البيان الإسلام العالمى لحقوق الإنسان، وأضاف الباحث أن قيمة العدل ضمن حقوق الإنسان فى الإسلام لأن العدل اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته سبحانه وتعالى ويحفل الإسلام بالأمر بالعدل أمرا عاما شاملا دون تخصيص طائفة عن طائفة لأن العدل نظام الله وشرعه والناس جميعا عباده وخلقه جميعهم متساوين أبيضهم وأسودهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وغير مسلمهم أمام عدله وحكمه والظلم ظلمات يوم القيامة أضافة إلى أنه يفسد شئون الدين والدنيا. (والمقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وماولوا) ويقول تعالي «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا» .
العدل واجب على الكافة تجاه الكافة ومن ثم كان الظلم حراما على الجميع إزاء الجميع وفى حديث قدسى يقول تعالى : «إنى حرمت الظلم على نفسى وعلى عبادى - ألا فلا تظالموا» ، «إن الله لا يظلم مثقال ذرة» وما أشد عقاب الظالم على ظلمه يوم القيامة ، «ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون» .
ولكل ذلك كان العدل حقا من حقوق الإنسان بلغ مرتبة الفريضة الواجبة وحقوق الإنسان لدى أجهزة الشرطة والقضاء هى واجبات يجب عدم التفريط فيها ومعرفتها جيدا بل وتلقينها لكل فرد صغير أو كبير فى هذين الجهازين فى وطننا العزيز كى يسود الأمن والأمان وتبادل التقدير والاحترام بين أبناء الوطن الواحد
ساحة النقاش