كتبت: سكينه السادات
لاشىء فى الدنيا يساوى أن أتنفس هواء وطنى! أن أسمع من حولى يتكلمون بلهجتى المصرية اللذيذة، أن أصحو على القرآن الكريم فى الإذاعة المصرية ثم استمع إلى نشرة الأخبار وأنا أشرب الشاى، أن أدير رقما هاتفيا فترد أختى، صباح الفل يا أختى !! أن أخرج إلى شوارع أعرفها وأتحايل على الزحام بأن أسلك طرقا أقل زحاما وأصل إلى مكتبى وأشاهد حولى أولادى من الجيل الجديد وبعض الزملاء القدامى فنجلس حول فنجان قهوة نتحدث قليلا ثم نبدأ العمل!
ماذا يساوى الإحساس بالدفء والوَنَس (بفتح الواو والنون) وماذا يساوى ساندوتش فول بالزيت والليمون وأنت جائع وإلى جواره ليمونة مخللة؟
أين تجد طبق الكشرى اللذيذ والطعمية الساخنة والعيش البلدى الأسمر المفقع وأناس حولك يأكلون ويستمتعون بأقل القليل ويحمدون الله على كل شىء !
هذا هو الوطن والصحبة والأهل ولايضاهى تلك المشاعر أى شىء.. بقى أن نعود ونستشعر الأمان فى مصرنا الغالية التى هى أجمل بلاد الدنيا بدون شك !
السبب فى كلماتى السابقة التى تعتبر واقعا أكيدا فى حياة كل مصرى ومصرية يحبون بلادهم هو ما جاءت لى بشأنه صديقة للمرحومة والدتى وهو أمر جدير بالتفكير.
إنها خالتى (كما نسميها دائما) أم جورج جارة وصديقة أمى فى كوبرى القبة حيث نشأنا وقضينا سنوات طويلة من عمرنا، وأم جورج الآن فى حوالى الخامسة والسبعين من عمرها وكانت دائما هى التى تفكر مع العائلة وتتصرف معهم مثلا فى أمر عزومة كبيرة لأسرة صديقة؟ ماذا نطبخ وكيف نعد المنزل لاستقبالهم، أو حفل خطوبة إحدى البنات أو الشباب حتى تجهيز معدات الحج والعمرة كانت أم جورج الصديقة الصدوقة للأسرة كانت هى التى (تنزل البلد) لشرائها مع أمى وكانت أم جورج هى حلالة المشكلات فى الأسرة وهى التى تكون دائما البلسم الشافى والعنصر المهدىء لأى معركة ساخنة وكانت تسهر طوال الليل تنقش وتخبز كعك العيد مع الأسرة وتقف مع أمى عندما يذبحون خروف العيد فى العيد الكبير وتتولى وزن اللحم وتوزيعه، وفى عيد القيامة كنا نأكل من يدها أحلى كعك وبسكويت وفى عيدالميلاد نسهر معها حتى ينتهى القداس فنأكل اللحم قبلها وقبل أسرتها وهم المحرومون منه فى صيام طويل لمدة 45 يوما!
أما فى عيد الغطاس فكانت تأتى لنا بحلة مليئة بالقلقاس واللحم وتقول ضاحكة.. من لا يأكل القلقاس فى عيد الغطاس يصبح ويجد نفسه بدون رأس!!
ومرت الأيام وتوفت والدتى وهى لازالت شابة فى سن الثالثة والخمسين وبكتها أم جورج بكاءً شديدا ثم تزوجنا نحن الأبناء والبنات فى بيوت مختلفة وظلت أم جورج فى بيتها بكوبرى القبة نسأل عليها بين الحين والآخر ولكن للأسف ليس كثيرا إذ أن الحياة ألهتنا ومشكلاتنا الخاصة داهمتنا !
ثم كانت المفاجأة .. أنا خالتك أم جورج هل نسيتينى؟ عانقتها طبعا وقد ضحت معالم السنوات على وجهها وقالت.. كنت أشاور أمك فى كل صغيرة وكبيرة والآن لازالت أقرأ حواء التى تكتبين فيها وقد جئت أسألك المشورة ؟
قلت لها .. يا سلام يا خالتى .. أنا تحت أمرك فى أى شىء تريدينه.
قبل كل شىء .. كيف حال مريم وجورج وعمى حنا ؟
طفرت الدموع من عينى خالتى أم جورج وبكت بحرقة وقالت ..
الأول .. أنت نسيتى أن عمك حنا كان عيان وتوفاه الله بعد وفاة والدتك بسنة وأنت وأخواتك حضرتم عندى وعزيتونى أنا ومريم وجورج ؟
حقيقة .. أحسست بالكسوف الشديد فقد حدث ذلك فعلا وكنت قد نسيت تماما .. وسكتُ انتظاراً لكى تستكمل خالتى أم جورج كلامها .
فاستطردت.. أما مريم فقد تخرجت فى كلية الصيدلة وتزوجت من صيدلى كان زميلا لها فى الكلية وهى الآن تعيش مع زوجها فى هولندا.. أما جورج فقد تخرج فى كلية الصيدلة أيضا وهو السبب فى قدومى إليك اليوم .. فماذا كان من أمر جورج ووالدته؟
الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية
ساحة النقاش