كتبت: مروة لطفى
هل أصبح الانتقام لغة مشتركة يتقنها أصحاب الاتجاهات المختلفة ؟!
فهؤلاء يتظاهرون خوفاً من صعود تيار يرفضونه .. وأولئك يعتصمون مقتاً لكل مسئول ينتمي لفصيل يعارضونه ! وبينهما حوادث و قضايا لا حصر لها أولها كره و آخرها سحل ! ماذا حدث بالضبط ؟! وأين ذهب التسامح الذى كان السمة المميزة للشخصية المصرية ؟! والأهم .. كيف نتخلص من اَفة الانتقام بعد تغلغلها في نفوس البعض ؟! حول تلك التساؤلات و غيرها كان التحقيق التالي ll
- بدايتنا كانت مع دراسة أجراها الكاتب والمؤرخ المعاصر عاصم الدسوقي بعنوان " العنف السياسي في مصر " كشف فيها عن ارتباط العنف السياسي بالإحباط ويأس القوى السياسية من تحقيق أهدافها بطرق قانونية ودستورية .. واستدل على ذلك بأشكال مختلفة من الانتقام السياسي الذى ظهر في مصر بعد ثمانية أشهر من الاحتلال الانجليزي حين تكونت " جمعية الانتقام " في مايو 1883 وكانت تهدف لإجبار المحتل على مغادرة البلاد وأصدرت منشورات وأرسلت خطابات للمسئولين تحذرهم من التعاون مع الاحتلال , وكان بعضهم يقوم بقتل أى عسكري انجليزي يتصادف مروره بأى شارع حتى عرف أمرهم في الشهر التالي
وقدموا للمحاكمة في قضية قيدت باسم " المؤامرة الوطنية المصرية " ..
- ونوهت الدراسة لاستمرارية الانتقام السياسي عبر العصور المختلفة وعودته في الاَونة الأخيرة بسبب قيام كل طرف بإضفاء المشروعية على سلوكه .. من هنا ظهرت مجموعة أطلقت على نفسها " البلاك بلوك" خلال ذكرى ثورة 25 يناير الماضية لتعلن رفضها للسياسة الحالية عن طريق إتيانها بأعمال تتسم بالعنف، وتشير الدراسة إلى تزايد ممارسة العنف السياسي من قبل مجموعات تدافع عن الثورة لعدم تحقق أهدافها رافعة شعار " الثورة مستمرة" وأخرى تدافع عن السلطة التى اعتلت الحكم وترفع شعار " حماية الشرعية " !
عندما يسود الظلم
- إذا كان الدسوقي رصد الصراع الحالي من خلال دراسته وحذر من عواقبه .. فإلي أين تأخذنا نبرة الانتقام المصاحبة لهذا الصراع ؟!
- تقول أمينة النقاش - نائبة رئيس حزب التجمع - : لاشك أن ظاهرة الانتقام السياسي تصاعدت بشكل ملحوظ عقب قيام ثورة 25 يناير، ويرجع ذلك لصعود تيارات واتجاهات مختلفة بعضها يروج للعنف كوسيلة للإصلاح من وجهة نظره مثل جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التى طفت على الساحة بعد الثورة .. وازداد الوضع سوء مع مضي الوقت دون أن تحقق الثورة أهدافها , فبدأ البعض ينتابه شعور بالقهر السياسي مما دفعه لبعض السلوكيات العنيفة .. والأخطر من كل ما سبق يكمن في غياب دولة القانون , فأصبحنا نسمع عمن يحاصر المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي وغيرهما من أساليب الانتقام السياسي، لذا أرى أن القضاء على تلك الظاهرة يعتمد على إعادة هيبة الدولة ليكون القانون فوق الجميع ومن ثم يشعر كل مواطن بإمكانية حصوله على حقوقه عن طريق الجهات المسئولة وليس بتطبيق قانونه الخاص
وتتفق د. سامية خضر - استاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس - مع الرأى السابق وتضيف أن فقدان الأمان مع عدم وضوح الرؤية للمستقبل أدى إلى شعور جارف بالخوف من المجهول انتاب معظمنا وازداد الوضع سوء مع الانفلات الأمني الذى صاحب الثورة فضلاً عن انتشار الأسلحة , فلم يعد غريباً أن يسير الشخص حاملاً أحد أنواعها وذلك فى حد ذاته يدفعه للعدوان والتوحش .. الأمر الذى أدى لتزايد جرائم الانتقام والتى كانت أبعد ما تكون عن الشخصية المصرية المعروفة بتسامحها وهو السمة الغالبة للدول الزراعية - وتشير د. سامية خضر إلى ضرورة عودة الضبط والربط لمؤسسات الدولة المختلفة مع أهمية إعلاء قيمة الرموز الوطنية والحفاظ على الهوية الثقافية , و الأهم عدم خلط الدين بالسياسة مما يشعر المواطن بالأمان فيعود لتسامحه المعتاد.. فالعنف والانتقام لم ولن يكن يوماً أحد سمات الشخصية المصرية فهو اَفة عابرة ناجمة عن الفوضى التى تصاحب الثورات الشعبية وفقاً لتاريخ ثورات الشعوب
الشخصية الناضجة - ويؤكد د.اسماعيل يوسف - أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس - أن التسامح دائماً يرتبط بالشخصية الناضجة، على عكس التعصب والانتقام اللذان ينمان على قصور شخصية صاحبها . لذلك يصعب أن نربط بين الشخصيات والشعب ككل لأن عدم نضج البعض وقيامه بسلوك متعصب لا يعنى بالضرورة التعميم .. وما نسمعه من جرائم سحل بغرض الانتقام يحتاج لوقفة وتحليل نفسي كي نعرف البعد النفسي لها وهل ترجع لطبيعة مرتكبيها أم أنها ناجمة عن انفعال وقتي أو قهر دام لفترة دون وجود قانون يحمي صاحب الحق مما دفعه ليثأر لنفسه وغيره؟!
انفلات أخلاقي
أما د. سهير صالح - مدرس إعلام تربوي بكلية تربية نوعية جامعة القاهرة - فترى أن روح الانتقام ظهرت نتيجة فساد المنظومة الأخلاقية في المجتمع وما صاحبها من تراخي قبضة الدولة وغياب التواجد الأمني، فكان من الطبيعي أن يلجأ المواطن للانتقام كوسيلة دفاعية عن النفس وهو أمر في منتهى الخطورة لما له من آثار سلبية على الجيل الجديد الذى تفتحت عيناه على مشاهد العنف والانتقام فأصبح يراها وضعاً طبيعياً لنيل ما يريد .. وأعتقد أن علاج هذا النشء مسئولية الدولة وليس الأسرة {
مروة لطفى
y
ساحة النقاش