كتبت -امل مبروك

يبدو أن المعركة بين قوى النور وقوى الظلام ستستمر طويلاً، وإن تغيرت أسبابها وإن تغير وزن القوى المتصارعة. وأتمنى لقوى النور أن تتزايد يوماً بعد يوم ولو بقدر محدود من أجل مستقبل هذا البلد، فمازال السياسيون وغيرهم يتحدثون عن العدالة الاجتماعية باعتبارها ضرورة أخلاقية وشرفا سياسيا لتلبية مطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهذا أمر محمود على أية حال، لكن المفاجأة الحقيقية جاءت عبر التقرير الأخير لمنطمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (أونكتاد) والذى أشار إلى العدالة الاجتماعية باعتبارها ضرورة اقتصادية، وحلا إجباريا للمشاكل الاقتصادية، وأنه لا سبيل للنمو والتنمية، إلا عبر العدالة الاجتماعية، خاصة تحسين دخول الطبقات الفقيرة، حتى تنشط الأسواق الداخلية، وذلك فى ظل تعثر الاقتصاد العالمى وتراجع حركة التجارة الدولية، ومعها لم يصبح التصدير هو الحل السحرى، وتحديدا التصدير للدول الأوروبية، وبات التصدير لدول الجوار وفى الأقاليم القريبة هو التصرف المنطقى لجميع الاقتصادات النامية.

أرباح ومكاسب للفقراء والأغنياء

إن تقرير (الأونكتاد) الذى صدر الأسبوع قبل الماضى جاء حاسما وإجباريا، بضرورة الاعتماد على الذات وعدم تسليم زمام الأمور للخارج، كما كنا نفعل دوما، والأمور الآن صارت واضحة، فقد انتقلت العدالة الاجتماعية من خانة الوعود السياسية، والضرورات الأخلاقية، إلى خانة الحلول المالية والضرورات الاقتصادية، والمدهش فى تقرير منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة، الإشارة الواضحة إلى أن السير فى اتجاه العدالة الاجتماعية لا يعنى فقط تحسين الظروف المعيشية للطبقات الفقيرة، بل سيساهم أيضا فى تحسين مستويات تحقيق أرباح أصحاب التجارة والصناعة، وهو ما يعنى أن هناك تنمية للجميع ولن تكون على حساب فئات أخرى، كما يعتقد البعض الذين يقاومون تطبيق إجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية.. وهذا ينقلنا إلى مصطلح آخر هو "الصالح العام"، فإذا كان النشاط السياسى فى مجمله يستهدف الصالح العام والعمل من أجله، بحثا عن حياة أفضل للمواطنين، وإذا كانت أغلب الصراعات السياسية فى الدول الديمقراطية تدور من أجل التنافس على إيجاد حلول حقيقية للمشكلات الكبرى التى تواجهها مجتمعاتهم، فإن الواقع يؤكد أن مصطلح "الصالح العام" يكاد يكون غائبا فى مختلف الصراعات السياسية التى شهدتها مصر خلال الفترة الماضية، فى مختلف تطورات الموقف منذ ثورة يناير حتى الآن، وكانت فكرة الانتصار لسياسات كل فريق هى الغالبة، ومحاولات فرض قرارات بعينها هى معركة التيارات السياسية .

الصالح العام أولا

أعتقد ان كل القوى السياسية الفاعلة مطالبة الآن فى هذه اللحظات بالغة الصعوبة التى نمر بها ، أن تكون واضحة فى كل مواقفها، وان تكون هذه المواقف من أجل الصالح العام، لأن الموقف ليس سهلا أو هينا كما يرى البعض، وأعتقد أيضا أن ما يحدث الآن هو اختبار كبير وامتحان نهائى لكل من يشارك فى هذا المشهد السياسى، وأن الجماهير لن ترحم أو تسامح أى تيار أو فصيل سيعمل بعيدا عن الصالح العام، خاصة أنها لم تعد ساذجة أو مغيبة، وتعلم جيدا الفرق بين من يعمل بحثا عن مجد شخصى أو مكاسب خاصة، والذين يعملون بإخلاص وصدق من أجل "الصالح العام"، فالثورة قامت ضد الظلم والفساد والاستبداد والقهر ، وخرجت الجماهير فى 2011 ضد النهب والسرقة وتزوير الانتخابات وضد الديكتاتورية والتعذيب فى أقسام الشرطة وتحكم أمن الدولة فى كل الأمور الحياتية فى مصر وإفقارها من كل مواردها، وضد المحسوبية والواسطة وعدم تكافؤ الفرص.. ضد الفقر والبطالة وغياب التخطيط وضد الانحدار الثقافى والأخلاقى، أى أن هناك أهدافا ومطالب واضحة لثورة 25 يناير وكل موجاتها المتوالية، تلك الأهداف والمطالب هى أن نعيش فى حياة أفضل وتكون هناك حريات وديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية بكل ماتحمله هذه الكلمات من معان، وبالتالى لن تتوقف الثورة إلا بعد حدوث ذلك، فالثورة ليست فقط تغيير مبارك أو تغيير مرسى، بل هى تغيير نظام سياسى بأسلوبه وطريقة عمله سعيا نحو حياة أفضل وأكرم وأكثر عدالة وأكثر احتراما لحقوق الإنسان .. وبالتأكيد تحمل الأيام للمصريين ما هو أفضل وما يستحقونه من حياة مستقرة كريمة طالما هم متمسكون بثورتهم ومتشبثون بأهدافها ومطالبها  

المصدر: مجله حواء -امل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 698 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,866,430

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز