تحية ومعايدة على القراء وأعاود المواصلة لبيان العلل التى حرمت المرأة من عدل التشريع الإسلامى لحقوقها وأقف فى هذا العدد فى علة «سد الذرائع»، لقد أساء كثير من العلماء المسلمين فهم معنى النصوص التى عرفوها وذلك بوضعها فى غير موضعها، أو قصرها على استنباط أحكام منها لا تدل عليها إلا باعتساف شديد أو بترها عن سبب نزولها ووردها عن سابقها وسياقها أو عزلها عن باقى أحكام الإسلام ومقاصده الكلية فلا يوفق بين بعضها وبعض وذلك تحت مقولة سد الذرائع.
وقبل أن أخوض فى هذه القضية أود أن أوضح مسألة مهمة فى قاعدة سد الذرائع عن أهميتها فى مجال العلوم الفقهية وأحكامها، لكن الذى أتحفظ عليه هو الإسراف فى استخدام هذه القاعدة حتى تصادمت مع حقائق واضحة فى التشريع الإسلامى فى مجال حقوق المرأة، فالعيب هنا الإسراف فى استخدامها وتغلبها على حقائق النص الواضحة- سواء من القرآن الكريم- تحت مبررات وأسباب وصفها بعض الفقهاء خاصة فى القصور المتأخرة.
ولهؤلاء نقول: لقد شرع الإسلام للمرأة أن ترى الرجل ويراها الرجال ولم يحظر ذلك سداً للذريعة، إنما وضع له آداباً رفيعة تكفل أمن الفتنة فتحتم الرؤية فى طهر وعفاف يقول الحق تعالى: « وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» سورة النور (31).
وشرع الإسلام للمرأة لقاء الرجال والاجتماع وهم فى عمل علمى فى جامعة أو مناقشة رسالة أو مؤتمر ولم يحظره سداً للذريعة إنما وضع له آداباً تكفل له أمن الفتنة فيتم اللقاء فى طهر وعفاف وعمل وتنمية.
وشرع للمرأة الكلام مع الرجال ولم يحظره سداً للذريعة إنما وضع له آداباً تكفل أمن الفتنة فيتم الكلام فى طهر وعفة قال تعالى:« فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَقَوْلًا مَعْرُوفًا» الأحزاب (32).
وشرع للمرأة السير فى الطرقات ولم يحظره سداً للذريعة إنما وضع له الآداب التى تكفل أى انخراط فى الفتنة قال تعالى: « ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى» الأحزاب (33).
وشرع للمرأة أن تؤم المساجد ولم يحظر ذلك سداً للذريعة إنما وضع له آداباً تكفل أمن زمن الفتنة فيتم الأمر فى طهر وعفاف.
عن فاطمة بنت قيس قالت: « نودى فى الناس أن الصلاة جامعة فانطلقت فيما انطلق الناس فكنت فى الصف المقدم من النساء وهو يلى المؤخرة من الرجال «رواه مسلم».
ولابد لى من أن أنوه بحقيقة مهمة وهى أن استخدام قاعدة سد الذرائع استخدمت بإسراف شديد عبر العصور والأزمان المتأخرة وليس من باب التحدى فى الدين لأن خير القرون القرون الثلاثة الأولى، والتى مارست فيها المرأة حقوقها ونشاطها متعدد الجوانب بصورة تفوق بكثير القرون المتأخرة كما رأينا منها الكثير.
فاستخدام ستار الدين الذي سلط على قضايا المرأة هو ظلم للدين نفسه الذى أنصفها من ظلم السابقين وهذه شهادة رجل على ذلك الأستاذ عصام العطار نقلاً عن كتاب الشيخ الغزالي: « كم أحتقر هؤلاء الذين يعلقون أقذار مطامعهم وأهوائهم على مشاجب المثل العليا».
وهذه الحقيقة تؤكدها أمور مهمة أولها غيرة الرجل وأنانيته الشديدة تجاه المرأة وكان لابد أن تحتال هذه الغيرة لتجد لها سنداً شريعاً، وقد وجدت بالفعل فى باب سد الذرائع وقد طغت هذه الغيرة حتى وصلت فى بعض المجتمعات المسلمة أن يغار الرجل من مجرد رؤية الناس وجه أمه أو أخته أو زوجه أو مجرد سماع صوت إحداهن بل بلغ الغلو والتطرف إلى درجة أن يأنف الرجل أن يصرح باسم امرأته ويغار من ذكره ولو لحاجة عارضة ويعتبر ذلك حرجاً للعرض يستحق الثأر والقتل، ومازال إلى الآن فى بعض مناطق العالم الإسلامى لا ينطق الرجل اسم زوجته ويعبر عنها بـ «الجماعة» أو «أهل البيت» أو «أم الأولاد» أو «الحكومة» إلى آخر هذه الكنايات، وبدلاً من الصدق فى تعليل هذه الظاهرة وإسنادها إلى المزاج الشخصى أو إلى قوة وفاعلية العادات البيئية نجدهم يسوغون هذا السلوك تسويغاً شرعياً بغير حق وقالوا إنه من باب صيانة الأعراض وسد ذريعة الفساد ونسيا هؤلاء أن كتب السنة والأخبار والمصادر الأولى تحفل بآلاف الأسماء من النساء وعلى رأسهن أسماء أمهات المؤمنين والصاحبيات وغيرهن.
هذه وقفة سريعة أمام قاعدة سد الذريعة التى استتر خلفها الكثير من أمراضنا الاجتماعية والأخلاقية وسوغت فى إطار من نصوص الدين بغير حقها وهو بيت القصيد كما أشارت.
المصدر: آمنة نصير
نشرت فى 27 أكتوبر 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,161,632
الصور المختارة
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش