قديماً قالوا اللي"ما معاهوش ما يلزموش" لكن هذا هو حال الفقراء، وفاتنا أن الأغنياء قادرون على غرس قيمة الاستغناء في مجتمع غلب عليه الطابع الاستهلاكي بالامتناع الاختياري عن أي سلعة يرتفع ثمنها وهو سلاح فتاك مهمل نستطيع من خلاله ضبط انحراف تجار مستغلين وكسر احتكار المحتكرين، ونستطيع به أيضاً تشكيل درع لحماية الفقراء ومساندتهم.
وينقسم الأبناء أمام محاولات أبويهم غرس قيمة الاستغناء عن بعض متطلباتهم في الحياة إلى قسمين.. الأول يتهم الآباء بالبخل والآخر يصنفهم تحت بند"قلة الحيلة".. وفي السطور التالية نتعرف على طرق إعلاء هذه القيمة في حياة الأسرة دون اتهام أو تصنيف أو تجريح.
البداية مع د.نشوى عبد الله طبيبة أطفال تقول: إن الحديث عن التخلي عن بعض العادات الشرائية أمر سهل، لكن حرمان الأطفال يكون صعباً لأنهم يشعرون حينها بأنهم أقل من غيرهم وحاولت كثيراً مع أولادي لكن باءت محاولاتي بالفشل إما بسبب بكائهم أو اتهامي والدهم بتعذيبهم فهم يرون أننا مقتدرون، فلماذا نحرمهم إذن ويبقى شرحي لنظرية الاستغناء والإحساس بالفقراء دون جدوى.
قيمة القرش
وتتفق معها أمل فاروق -مدرسة- قائلة: عشت في الخارج لفترة مع زوجي وعدت مع الأولاد مؤخراً لاستكمال دراستهم، ومنذ ذلك الحين وهم يطلبون أشياء كلها استهلاكية وإذا حاولت إقناعهم بأننا ننفق بلا مبرر يقولون:" بابا يعمل لننفق كما يحلو لنا"، ولقد تربيت في أسرة متوسطة وأدرك قيمة القرش لكن أولادي يرفضون الاستماع لنصائحي معلنين:" ده كان زمان" ومجرد الحديث عن فكرة الاستغناء يعتبرونه تضييعاً للوقت.
أما إيمان على –موظفة- فتختلف معها تقول: الاعتدال في الإنفاق هو أساس ثقافة الاستغناء، فأي سلعة يرتفع ثمنها يجب أحذفها من قائمة احتياجاتي أو أشترى منها كميات أقل إذا كنت أحتاجها بشدة.
ويجب أن نعلم أولادنا أن ليس ما نملك ثمنه نشتريه، وعودت أولادي على ذلك وواجهت اعتراضات في أول الأمر، لكن كنت أشرح لهم كيف أن هناك حولنا من يعيشون في الشارع ولا يملكون شيئاً، وتدريجيا باتت بناتي يتأسين بي في امتناعي عن شراء أشياء لارتفاع سعرها على الرغم من قدرتي المالية على فعل ذلك.
رؤية خاصة
ويرى محمود خلاف، موظف بالاتصالات أن الاستغناء لا يتحقق إلا مع المقدرة فعندما يعجز الأب عن تلبية احتياجات أولاده يكون هذا حرماناً، وقد زرعت هذا السلوك فيهم بطريقة عملية منذ طفولتهم، فبعد أن أشتري ما يريدونه وما اختاروه بأنفسهم وقبل دفع الفاتورة أطالبهم بأن يرد كل منهم ما يمكنه الاستغناء عنه من المشتريات لأعطيه ثمنه ليشتري به شيئاً آخر، وبذلك تجنبت اتهامهم لي بالتقصير وفى البيت أخبرهم أن من ادخر مبلغاً سأضاعفه له ليتمكن من شراء ملابس ..موبايل ،وهكذا بدأوا يتعلمون .
أحسن مننا
ولخالد معبد وجهة نظر أخرى حيث يقول : نحن نتعب من أجل أن يستمتع أبناؤنا فلا ينبغي حرمانهم ليعيشوا ما عشناه مع آبائنا صغاراً من ضعف القدرة المادية ومن حقهم علينا أن يعيشوا في ظرف أفضل مما عشناها.
وعى أم
ويحمل يسرى حسن موظف، الأم مسئولية غرس ثقافة الاستغناء مدافعا عن الآباء يقول: لو فعل الأب ذلك سيتهمه أبناؤه بالبخل، وإذا أنصفوه سيتهمونه بقلة الحيلة وفى زمن غلب عليه الطابع الاستهلاكي فإن الإقناع بالاستغناء كلام لا محل له.
الطابع العام
وعن فكرة الاستغناء تتحدث د.زينب شاهين أستاذ علم الاجتماع قائلة: المجتمعات الإنسانية بطبعها مجتمعات تفاعلية تؤثر وتتأثر، والمقبول داخل المجتمع يلتزم به أفراده، ومن هنا نرى كيف يؤثر الطابع العام للمجتمع فى سلوكيات أفراده فإذا عاش الإنسان وسط مجتمع استهلاكي سيكون سلوكه استهلاكيا، لذا فإن البعض ينظر لفكرة الاستغناء على أنها فكرة مثالية ليس لها جذور واقعية لأن النمط الاستهلاكي هو السائد فإن نشر الفكرة يحتاج لتوجه مجتمعي ليشعر كل مواطن بأن استغناءه عن بعض الأشياء سينعكس إيجابياً على المجتمع .
وأعتقد أن الظرف الذي تعيشه البلاد هو أفضل توقيت لنشر الفكرة بين الطبقات الغنية الأقدر على تطبيقها لكن الفقراء محدودي الدخل لا مجال أمامهم للاستغناء .
وأضافت شاهين: إن السلوك السلبي أو الإيجابي ينتقل بالتقليد بين أفراد المجتمع الواحد لذا لو تناول الإعلام الفكرة بوصفها واجبا قومياً سيشعر من لديه القدرة على الاستغناء أنه شيء إيجابي ويساعد على الحد من ارتفاع الأسعار الرئيسي.
جهاد النفس
ويتفق معها د.محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر قائلا: الاستغناء مع المقدرة هو قمة القوة النفسية، لذا يعد من الناحية النفسية ليس بالأمر السهل لكنه جهاد للنفس، وهنا يجب أن ندرك أن تربية الأبناء على الاستغناء يتطلب توافقاً فى المبادئ بين الزوجين ويجب أن يتم في ظروف نفسية طبيعية .
وختم د.عويضة حديثه مؤكداً على أن هذه الثقافة تبدأ بجمع الأبناء على مائدة طعام ومشاركتهم بعضهم البعض في الألعاب للحد من الأنانية وترسيخ أن الاستغناء يرتقى بالنفس ويجعلها تتجاوز الرغبات البدائية.
أصول وقواعد
وتقول د.حنان جمال الدين أستاذ أصول التربية: التربية علم له أصول وقواعد لكن للأسف تربي الأسر أولادها تحت شعار"بالبركة" كما يقولون فهم إما يقلدون أو يربون كما تربوا دون إدراك ما حدث من تغيرات على المجتمع بأسره، وإذا تحدثنا عن قيمة الاستغناء بوصفه قيمة تعلى من شأن النفس الإنسانية سنجد أن التربية السليمة تلعب دوراً كبيراً في وجودها و القيم الإيجابية لا تظهر بين يوم وليلة، لكنها منظومة متكاملة نربى أولادنا عليها وليس من السهل إقناع الطفل لكنه يحتاج إلى ممارسة واضحة من أبويه وأنصح بضرورة إشراك الابن في القرارات الاقتصادية داخل الأسرة وأن يطلع على ظروف المجتمع وكيف أن هناك من يعانون بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية، وعلينا أيضاً أن نعلمه -تبعاً لسنه- الاستغناء عن أشياء لنحصل على غيرها.
المصدر: نجلاء ابوزيد
نشرت فى 2 نوفمبر 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
23,074,477
الصور المختارة
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش