كلما تذكرت كيف انزويت بجانب سريرى وأظلمت الغرفة لأبكى وأصرخ متسائلة: لماذا أنا وماذا فعلت لأعاقب بطفل مختلف عن الآخرين؟ ثم استغفر الله وأشكره على نعمته التى لم أكن أعلم وقتها أنها هدية وليست عقاب، وأنه كان يميزنى عن غيرى ليمنحنى أجمل تجربة، بالفعل كانت صعبة وقاسية مليئة بالخوف والتوتر إلا أنها تحولت لنجاح وتميز لأصبح وابنى بارقة أمل لأسوياء ومرضى آخرين.

كانت هذه تجربة أم رزقها الله بطفل معاق فظنت أنها محنة وابتلاء لكنها سرعان ما أيقنت بأن المحن دائما ما تحمل بطياتها المنح، وعنها ومثيلاتها من الأمهات اللائى قهرن الصعاب بالأمل والصبر كانت هذه السطور..

فى البداية تقول مها بدوى، طبيبة أطفال: مررت بأوقات صعبة بعد أن ظهرت علامات التوحد وفرط الحركة على ابنى يوسف، لكننى نجحت فى التغلب على الصدمة بالقراءة والإطلاع فوجدت نماذج مشرفة مثل السباح الأمريكى مايكل فيليبس الذى فاز بعدد كبير من الميداليات فى ألعاب أوليمبية، فتأكدت أنه من الممكن أن يحقق يوسف النجاح فى المستقبل إذا تم استغلال قدراته، كما أدركت أن أخطر ما يحدث لمريض التوحد هو نوبة الغضب وأن التفاوض هو الوسيلة الأنسب للتخفيف من غضبه، وعندما أيقنتأن التوحد مرض نفسى وليس عضوىاستطعت تخطى الصدمة وتوقف ابنى عن تناول الأدوية واتجهت فقط لجلسات تعديل السلوك،ومع الاستمرار عليها تحسنت حالة يوسف كثيراً وحصل فى الابتدائية على مجموع 98 %.

أماآمال جلال فتقول: ظهرت علامات التوحد على ابنى بعد ولادته بعامين لكننى تمكنت من تخطى المرحلة الصعبة بمساعدة زوجى الذى اتفق معى على أن يتولى رعاية أخواتهليشجعني على التفرغ لرعايته،فسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية أملا فى وجود علاج وهناكأدركت أن التدريب هو الحل الوحيد حتى يمارس عمرو حياته بشكل طبيعى، وبالفعل أخذت بنصيحة الأطباء وواظبت مععمر على التدريب حتى أصبح بطل فروسية وهو أول متوحد يحصل على الثانوية العامة فى الإمارات ويعمل حالياً معى فى مركز يهتم بمن هم فى مثل حالته، وأصبحت نموذجا لكل أم تمر بنفس تجربتى.

مصدر فخر

"حماتى وزوجى تعاملا مع ابنى المولود بمتلازمة داون على أنه طفل طبيعى فساعدنى ذلك على التكيف وتجاوز الصدمة" هكذا بدأت السيدة سعاد سرور ربة منزل حديثها وقالت: بعد ولادة شهاب اهتمت حماتى به جداوشاركتنى فى كل شىء يخصهوكانت تحرص على التلوين معه وتعليمه الرسم ولم يجعلنى أحد من أفراد الأسرة أشعر أن شهاب يعانى مشكلة خلقية، ما ساعدنى على التغلب على الشعور الذى كان ينتابنى من وقت لآخر بالحزن على حالته، واختفت آلامى النفسية عندما لاحظتاستجابة شهاب للتعلم عندما ذهب إلى الحضانة وقام بتقليد زملائه الأصحاء بل وجدت لديه قدرات خاصة على الاستجابة والتعلم،وشعرت بالفخر به عندما قرأ القرآن أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل افتتاح دورة الألعاب الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2014، وتأكدت أنه الهدية التيأرسلها لى الله.

بينما استطاعت أمل إبراهيم ربة منزلتجاوز صدمةولادة ابنتها رحمة بمتلازمة داون بالاحتفال بعيد مولدها ما أثار دهشة الجميع فتقول: تعمدت تجاهل المحبطين حتى لا أتأثر بكلامهمفالمشكلة عادة لا تكون فى الأم لكن فى المحيطين بها فعلى سبيل المثال قال لى الطبيب فى المستشفى إن اسمها رحمة لكن فى باطنها العذاب، وبعد مرور سنوات عندما التقيت بهذا الطبيب قال لى إنه نادم على ما قاله وفخور بما حققته رحمة وحاليا ابنتى تدرس السياحية بمعهد الألسن وهى المتحدث الرسمى للجمعية المصرية الاتحادية للإعاقات الفكرية،كما حصلت على الميدالية البرونزية فى بطولة العالم للسباحة التى أقيمت فى إيطاليا عام 2016وتحلم بالعمل كمذيعة حتى تغير نظرة المجتمع للمصابين بمتلازمة داون.

أما إيمان والى فلم تعر لكلام الطبيب اهتماما بل حرصت على حضور جلسات التخاطب مع ابنها إبراهيم والعمل على تنمية مهاراتهإلى أن التحقبالمدرسة وحصل على شهادة الثانوية العامة ومنها إلى كلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة، كما يمارس رياضة التنس الأرضى والتى حصل خلالها على ثلاث ميداليات فى الأوليمبياد عام 2008.

تقبل الواقع نجاح

بعدما عرضناه من تجارب تضيء حياة الجميع أسوياء ومرضى توجهنا للمتخصصين لنعرف كيف تتجاوز الأمهات الصدمة ويغيرن الواقع من طفل مثار للشفقة إلى نموذج يشار له بالبنان؟

يقول د. جمال فرويز،أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة:على الأم أن تدرك أن الإعاقة ليست كارثة ويجب التعايش معها، وحتى تتغلب على مرحلة الصدمة لابد من التقرب من أمهات الأطفال المعاقين لأن شعورها بوجود سيدات يشاركنها نفس المشكلة سيخفف عنها الشعور بالصدمة من خلال تبادل الخبرات والنصائح،إلى جانب إشراك أخوات الطفل فى رعايته حتى لا تتحمل الأعباء البدنية وحدها فالدعم الأسرى أهم عوامل تخطى تلك المرحلة، وفى حال عدم قدرتها على تخطى مرحلة الصدمة لابد من ذهابها للطبيب النفسى حتى لا ينعكس إحباطها وحزنها على ابنها ورعايتها له وعلاقتها بباقى أفراد الأسرة فمرحلة التقبل للواقع أول خطوة على طريق النجاح.

عيون الأهل

يشير د. جمال حماد،أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية،إلى المعاناة التى قد تواجه الأم لتقديم ابنها المعاق للمجتمع فيقول: يرى المجتمع الطفل المعاق بعيون أهله،فإذا تقبلته الأم نجحت فى إجبار أفراد المجتمع على تقبله، لكن فى حال شكوتها المستمرة وشعورها بالخجل منه فسيرفضه المجتمع،لذا على الأم أن تسعى إلى تنمية مهارات ابنها المعاق حتى تفرض نجاحه على المحيطين بها، ويفضل حصول الأبوين على دورات تدريبية تمكنهما من التعامل مع ابنهما المعاق، كما أدعو الإعلام إلى التركيز على النماذج الناجحة من ذوى الاحتياجات الخاصة حتى يدرك الناس أنهم قادرون على العمل والتعايش معهم في المجتمع .

وتتفق د. بسمة سليم، خبيرة التنمية البشريةمع الرأى السابق قائلة: إذا نظرت أم الطفل المعاق للإنجازات التى حققها بعض المعاقين ستتمكن من تخطى مرحلة الصدمة لذلك لابد من تبادل الخبرة مع الناجحين من ذوى الإعاقة،ولابد أن تعلم أن تقبلها للإعاقة سيمنحها القدرة على الاهتمام بطفلها، كما يجب أن تتجه للقراءة والإطلاع لتدرك أن إهمال الطفل قد يتسبب فى تدهور حالته.

المصدر: كتبت : نيرمين طارق
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1726 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,844,992

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز