سألنى صديق لي، ما قصّتك مع آلة الفيولا؟ قلت له: فى عالم موازى كنت لأصبح أحد أشهر عازفى الفيولا، ولكنت أنت وقتها منهمكا فى محاولة الحصول على تذكرة لحفلاتي، لكن المقام ليس مقام حديث عن قصتى مع آلة الفيولا، بل للتحدث عن قصة العالم معها، فهى وسيط بين العالمين الروحانى والمادى، وصوت الوجود المتسق الأنغام والانعطافات، إنها همس العوالم غير المنظورة، ووتر ونغمة فى القيثارة الإلهية التى سيردد الكون بأسره يوما ما لحنها المذيب.

هناك شيء عجيب فى الفيولا، بل لعلنى أقول أن ألحانها أعجوبة بحد ذاتها، ومقامها يكمن ما بين الفكر والعالم الظاهر، فهى وسيط مشع بين العقل والمادة، روحية تمس الروح، ومادية لكنها غير مقيدة بمكان، وتعد الفيولا من الآلات الوترية الأربعة، ويسمى الكمان بـ «فيولينا » وهو آلة أصغر من الفيولا وصوتها أرفع لكن هذا الفارق لا يظهر إلا للمتخصصين القادرين على التمييز بين الفيولا والفيولينا وهناك آلة التشيلو وأخيرا الكونترباص وهو أكبر آلة وترية ويعزف عليها العازف واقفا بجوارها، وتصنع الفيولا من الخشب أما أوتارها فمعدنية ومجالها الصوتى يغطى ثلاثة أوكتافات.

ويعد أقدم نموذج معروف لآلة الفيولا من صنع «غاسبار دا سالو » الذى عاش بين عامى 1542 - 1609 وقد استخدمت فى الأعمال الموسيقية القديمة مثل أوبرا أورفيو عام 1607 التى ألفها «كلاوديو مونتيفيردي » فى القرن العشرين، وصوت الفيولا كالشجن كما أن طبقاتها العالية يكون صوتها حادا.

أما عن محبى الفيولا فهم سعداء متفائلون، ألحانها بالنسبة لهم مطلب عزيز وغاية نبيلة، وهى عاطفة جامحة تطغى عليهم وتغمر كيانهم بأسره، وتبعث فى النفس الإلهام وقد توقد نيران الحب أو الغضب، أما بيانها الساحر فله القدرة على تحريك الناس بطريقة غامضة لا طاقة لهم على مقاومتها، والشخص الذى لا يتجاوب مع الأنغام الرقيقة ولا يتأثر بالألحان العذبة المنبعثة من أوتار الفيولا يكاد يكون أكثر استعدادا للخيانة والدسيسة وينبغى أن يأخذ الآخرون حذرهم منه.

العزف على الفيولا يكاد يكون لغة عميقة تستخدمها عازفة الفيولا فى اختراق عقول وقلوب الجمهور، فهى لغة عزف تحقق أعلى مهارات التواصل مع الجميع، تحدث حالة من الاندماج أولا بين عازفة الفيولا وأوتارها وبين الجمهور، هذه الآلة لا تحتاج لمايسترو ولا إيقاع لأن الفيولا تكاد تكون فرقة موسيقية متكاملة، فهى لا تتكلم بكل لغات العالم لأن هناك عبارة ترددها عازفة الفيولا إننى لا أتكلم ولكننى أعزف.

عجبا لهذه الآلة التى لا ينبعث منها إلا رزاز يتطاير فى الهواء ويخلق سحابة تمطر على الجمهور كل أنواع الورود بل رائحة عطر من أفخم الأنواع يحدث للجمهور حالة من الانتعاش والروحانيات تصل إلى أقصى حالات الشفافية.. فهنيئا لعازفة الفيولا التى تستمتع بهذه الآلة دون غيرها من الآلات سواء الغربية أو الشرقية، هذا هو يا صديقى عالمى الموازى عالم الفيولا، كأننا فى مركب والعازف الربان يروى لنا قصص الهوى وحلاوة العشق ويفضح أسرار من يعشق ولا يعرف الكتمان، سؤالك يا صديقى عن قصتى مع الفيولا أعاد لى أياما فنيت مع النسيان يا ليت قلبى العاشق تعلم النسيان وأننى يا ليتنى ما زرت المكان ولا جلست أحكى عن عازفة الفيولا.

المصدر: بقلم : د. ضحى أسامة راغب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2104 مشاهدة
نشرت فى 16 مايو 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,805,863

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز