المسحراتى والفانوس ومدفع الإفطار وموائد الرحمن كلها مكونات ارتبطت فى أذهان المصريين بشهر رمضان، فالأكلات التى تحرص الأمهات على إعدادها والمشروبات التى لا تكتمل مائدة الإفطار إلا بها، والفوانيس فى أيادى الأطفال تضيء الشوارع، وموائد الرحمن وما تحمله من معانى التكافل والتراحم بينهم، والياميش الذى ينذر ظهوره أمام محال العطارة والبقالين بقرب قدوم هذا الضيف العزيز، وغيرها من الطقوس التى يحرص الشعب المصرى على التمسك بها والتى تضفى روحانيات على أيام هذا الشهر ولياليه، كلها لها ذكرى وقصة، لذا دعونا نتعرف على حكاية كل منها عبر صفحات هذا الباب على مدار شهر رمضان ..

المسحراتى

«سحورك يا صايم وحد الدايم لا إله إلا الله.. رمضان كريم » عبارة كانت دائماً ما تتردد على لسان المسحراتى الذى يجوب الحارات والأزقة حاملا فى يديه الطبلة للضرب عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر مرددا بعض التهليلات والأناشيد الدينية، ينادى على كل فرد من العائلة باسمه ما يجعل الأطفال ينتظرونه يوميا بشرفات المنازل يلبغونه بأسمائهم.

أول مسحراتى

كان بلال بن رباح أول مؤذّن فى الإسلام ومعه عمرو ابن أم مكتوم يقومان بمهمّة إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، فإذا أذن بلال تناول الناس سحورهم وإذا سمعوا صوت الثانى امسكوا عن الطعام.

وكان أول من نادى بالتسحير عتبة ابن إسحاق سنة 228 ه حيث كان يذهب ماشياً من مدينة العسكر فى الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادى النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر، كما كان والى مصر إسحاق بن عقبة أول من طاف على ديار مصر لإيقاظ أهلها للسحور، وفى عهد الدولة الفاطميَّة كانت الجنود تتولى الأمر، وبعدها عينوا رجلا أصبح يعرف بالمسحراتى يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا «يا أهل الله قوموا تسحروا .»

طبلة المسحراتى

وفى عصر المماليك ظهر ابن نقطة، شيخ طائفة المسحراتية والمسحراتى الخاص بالسلطان الناصر محمد، وهو مخترع فن «القوما » وهو من أشكال التسابيح، ثم انتشرت بعد ذلك مهنة المسحراتى بالطبلة التى كان يُدق عليها دقات منتظمة بدلً من استخدام العصا.

وتسمى هذه الطبلة «بازة » وهى صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتى دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة، ولم يكن المسحراتى يتقاضى أجرا بل كان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل ومعه طبلته المعهودة التى يواصل الضرب عليها فيهب له الناس المال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد.

أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، بينما كان أهل الشّام يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصة برمضان، ومع تقدُّم الزمن وتطوُّر المجتمع تكنولوجياً انقرضت هذه المهنة بعدما كانت مشهورة ومتداولة فى بلدان الخليج العربيَّة وبعض بلدان شمال إفريقيا العربيَّة.

تطور المهنة

مع تطور وسائل الاتصال وظهور الإعلام المرئى والمسموع تطورت مهنة المسحراتى لتنتقل إلى التليفزيون والإذاعة، فمن منا نسى كلمات الموسيقار الراحل عمار الشريعى فى برنامجه «المسحراتي »، وكانت من أبرز المقطوعات التى ارتبطت بهذه المهنة «مسحراتى مصر البهية، اصحى وصبّح رب البرية، مشيت أرتّل وأنشد وأجوّد، وصوتى يجرى بين النواصي.. اصحى يا نايم .»

كما أبدع الشيخ «سيد مكاوي » فى تقديم المسحراتى مع الشاعر فؤاد حداد الذى صاغها شعرا، وظل يقدم المسحراتى بالأسلوب نفسه حتى وفاته، ورغم بساطة أسلوبه إلا أنه يعد بصمة فى تاريخ الفن الشعبى، حيث كان لمكاوى الفضل فى وضع أساس لحنى خاص لتقديم المسحراتي: «اصحى يا نايم وحد الدايم وقول نويت بكره .. إن حييت الشهر صايم والفجر قايم .. اصحَى يا نايم وحد الرزاق رمضان كريم .»

الكنافة.. زينة موائد الملوك

عرفت الكنافة قديما بزينة موائد الملوك والأمراء؛ وتوجد العديد من الروايات التاريخية حول تاريخها منها على سبيل المثال أنها ظهرت لأول مرة فى بلاد الشام، حينما قام صانعى الحلويات باختراعها خصيصاً كى تُقدم لمعاوية بن أبى سفيان مؤسس الدولة الأموية عندما كان والياً على الشام، وجاء ذلك بعد أن اشتكى لطبيبه من شعوره بالجوع فى نهار رمضان، فوصفها له الطبيب لتمنع عنه الجوع الذى كان يشعر به، وتذكر بعض الروايات أنه صنعها بنفسه ومن ثم ارتبط باسمه فكان يطلق عليها «كنافة معاوية .»

وتقول رواية أخرى إن المصريين عرفوها قبل بلاد الشام، وظهرت لأول مرة فى العصر الفاطمى وتحديدا عند دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمى إلى القاهرة، حيث كان ذلك فى شهر رمضان المبارك، وخرج الأهالى لاستقباله بعد الإفطار وقدموا له الهدايا وكان من بينها الكنافة، التى انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجار.

القطايف.. قماش ناعم

لا توجد مراجع تاريخية موثقة تشير إلى أصل القطايف وسر ارتباطها بشهر رمضان، لكن توجد العديد من الروايات التاريخية حول تاريخ ظهورها، حيث يقال إنها ظهرت فى العصر الفاطمى، فيما تشير روايات أخرى إلى أنها ظهرت خلال العصر المملوكى أو أواخر الأموى وأوائل العباسى. والطريف فى الأمر أن تاريخ القطايف وبداية ظهورها ليس الأمر الوحيد المثير للجدل بشأنها، إذ أن السبب وراء تسميتها بذلك الاسم كان بدوره مثارا للجدل، حيث يعتقد البعض أن سبب تسميتها بهذا الاسم يرجع إلى أن ملمسها يشبه ملمس قماش القطيفة، فيما يقول آخرون إن الاسم ارتبط بها عندما ابتكر أحد صناع الحلويات فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل، وكان الضيوف «يتقاطفونها » بسبب طعمها اللذيذ، ومن ثم جاء اسمها.

لقمة القاضي.. يونانى

تتعدد الروايات التاريخية المتعلقة بأصل لقمة القاضى وسبب تسميتها بهذا الاسم، فبالنسبة لبداية ظهورها تقول إحدى الروايات إن أصلها يعود للشعب اليونانى الذى يطلق عليها اسم «لوكوماديس »؛ وكانت بداية ظهورها فى مصر بمحافظة الإسكندرية، وجاء ذلك نتيجة لاختلاط المصريين باليونانيين المقيمين هناك.

أما عن سبب تسميتها فقد أرجعته إحدى الروايات إلى القرن الثالث عشر حيث كانت تقدم للقضاة بمدينة بغداد، وكانوا يتناولونها كلما شعروا بالجوع كونها عبارة عن لقيمات صغيرة سريعة الالتهام، وكانت بذلك توفر عليهم الوقت.

لكن غالبية المؤرخين يجمعون على أصلها التركى حيث عرفتها تركيا لأول مرة فى عهد محمد الرابع حيث كان يحب زوجته «ماه يارا »، ولم يكن يأكل من يد أحد سواها فاخترعت أكلة جديدة على المطبخ العثمانى حيث جاءت بالجلاش ووضعت بين طبقاته الحشو بأنواعه وأضافت السمن وأنضجته فى الفرن، ووضعت عليه العسل وعندما قدمته له أقر أنه لم يتذوق مثله ثم تم إطلاق اسم «بقلافة » عليه ليتغير بعد ذلك إلى «بقلاوة » اشتقاقا من البقوليات التى فيها.

المصدر: كتبت : هدى إسماعيل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 551 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,824,817

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز