كتبت : سكينة السادات

يا بنت بلدى...تعتبرنى أمى ملكية خاصة بها! ولا يحق لى أن أختار لنفسى أى شىء! ولا يحق لى أن أبدى رأياً معارضاً لرأيها فى أى من الأمور! حتى الملبس والمأكل تعطى لنفسها الحق فى اختيارها؟ بصراحة تامة أمى إنسانة تستحق كل تقدير واحترام وحب فقد ضحت حياتها كلها من أجلى وكلل الله سبحانه وتعالى جهودها وأصبحت رجلاً ناجحاً موفقاً فى حياتى العملية بل أنبغ شباب قريتنا وأكثرهم تعليماً وأرقاهم فى حيازة الشهادات، إذ أننى على وشك الحصول على شهادة الدكتوراه بعد الليسانس والماجستير اللذين حصلت عليهما بامتياز!

وكان الفضل فى كل هذا لكفاح أمى تلك السيدة الريفية المكافحة التى لا تقرأ ولا تكتب! ولكن.. هل هذا يعطيها الحق فى أن تتحكم فى حياتى بتلك الصورة الشديدة حتى أننى أشعر بأنى إنسان بلا شخصية! سوف أحكى لك حكايتى منذ البداية ولك الحكمة والنصيحة فى النهاية!

***

قال الابن الدكتور محمد، 31 سنة: أنا يا سيدتى من أسرة كانت تعيش تحت خط الفقر! هذه حقيقة لا يمكن إنكارها فقد كانت أسرتى ولا تزال تعيش فى إحدى قرى دلتا مصر الخصيبة، وكان والدى - رحمة الله عليه - قد استأجر عدة قراريط من أحد الملاك بالقرية يزرعها بنفسه لكى نعيش من إنتاجها، وكان أبى رجلاً مكافحاًيفك الخطبصعوبة لكنه كان يستثمر تلك القراريط المعدودة أحسن استثمار، فقد كان يزرعها بالخضر ويبيعها فى السوق، أما أمى فقد كانت مثل أبى تنهض من قبل أذان الفجر لتعد لأبى ماء الوضوء لصلاة الفجر وبعد أن يصلى فى المسجد ويعود يكون طعام الإفطار جاهزاً فوق الطبلية الخشبية وأكون قد نهضت من نومى وصليت الفجر أيضاً ونجلس كلنا حول طبلية الإفطار بينما الشاى يغلى علىالكانونأو وابور الجاز وتوزع أمى أكواب الشاى باللبن علينا، ثم يتوجه أبى إلى حقله وأتوجه أنا إلى كتاب القرية وتبدأ أمنا عملها فى المنزل وتقوم بغسل وتحضير الخضر والفاكهة التى سوف يوردها أبى إلى أحد المتاجر أو التى يبيعها بنفسه أملاً فى زيادة الرزق، وكانت أمى قد فقدت أختاً لى ولدت قبلى بثلاث سنوات وأصيبت - كما تقول أمى - بمرض الخناق كما يقول عنه أهل القرية وهو مرض النفتريا، ورغم أن أبى ذهب بها إلى الطبيب واشترى لها الدواء إلا أنها لاقت وجه رب كريم.

***

واستطرد الدكتور محمد.. وبعد وفاة أختى قالت لى أمى إنها أجهضت لعدة مرات بلا سبب واضح ثم حملت بى أمى وكانت دائماً شديدة الخوف علي، وكما يقولون فى الأريافكانت تخاف علي من الهواء الطائروظللت أنا الابن الوحيد للأسرة حتى توفى والدى وأنا فى الثانية عشرة من عمرى إثر أزمة قلبية ولم أجد حولى إلا أمى التى أصرت على بقاء الأرض المستأجرة وزراعتها بنفسها واستئناف كل ما كان يفعله أبى بمفردها ولم تجد أمى أى مساعدة أو معاونة من أى من الأعمام والأخوال، فقد كان كل فى حالهيادوبكعلى قد عمله ورزقه الذى يكفى أسرته بالكاد، ومن هنا كان اعتمادها على نفسها وكفاحها المرير فى البيت والغيط وإصرارها على أن أكمل تعليمى على خير وجه بل إصرارها على أن أكون طبيباً مهماً كلفها هذا من وقت وجهد ومال، وفعلا كنت لا أرى حولى إلا أمى التى تقوم بالعمل ليلا ونهاراً، ولم أراها فى حياتى كلها تمد يدها لأحد أو تستدين فقد كنت بحمد الله قد تفوقت فى دراستى وصرت أدرس بالمجان بل وكانوا يعطونني مصروفاً شهرياً هكذا كانوا يعاملون المتفوقين!

وحصلت على مجموع كبير فى الثانوية العامة وأهلنى لك أحقق حلم أمى ف دخول كلية الطب وتخرجت فى كلية الطب بامتياز، وكانت أمى تنادينىبالدكترأى الدكتور وأنا فى المدرسة الثانوية ثم فى الكلية، وحصلت على الماجستير وسجلت أوراق الدكتوراه وقمت بالعمل كطبيب بامتياز فى مستشفى المركز الذى تتبعه قريتنا، وأصبحت أنا الذى أستقبل المرضى الآتين من قريتنا وكذلك الأقارب والأهل من المحتاجين للعلاج، كل هذا جميل ورائع لكننى لم أقل لك شيئاً عن شكواى.. الأسبوع القادم بإذن الله أحكى لك عن معاناتى وشكواي!

المصدر: كتبت : سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 494 مشاهدة
نشرت فى 4 نوفمبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,459,724

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز