بقلم د. رانيا شارود
نحتفل هذه الأيام بموسم الحج وعيد الأضحى المبارك، ويعد الأول مناسبة مباركة يجتمع فيها العالم الإسلامي كله لقضاء فريضة عظيمة وركنا من أركان الإسلام، ورغم اختلاف الثقافات بين شعوب الدول إلا أن الاحتفال بهذه الأيام تجمعهم سواءفى صلاة العيد أوذبح وتوزيع الأضاحى وزيارة الأهل والأحباب، لكن ما أود التحدث عنهأن نأخذ العبرة من قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وولده سيدنا إسماعيل عليه السلام، حيث كان سيدنا إسماعيل حليما صادقا ونبيا يدعو الناس إلى عبادة الله وحده ويحافظ على الصلاة ويأمر أهله بالصلاة والزكاة قال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا"، ثم أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم ببناء البيت الحرام بمكة ليكون مكانا للعبادة ويحج الناس إليه فجاء لزيارة ولده إسماعيل وقال له: إن الله أمره ببناء البيت الحرام في هذا المكان, فأطاعه إسماعيل وساعده في البناء،وكان إسماعيل يأتي بالحجارة ويناولها لوالده حتى ارتفع البناء, وأنزل الله الحجر الأسود من السماء وتم بناء البيت الحرام, قال تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإسماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، وقدأراد الله سبحانه وتعالى أن يختبر قوة إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام فأرسل إليه في الرؤيا وهو نائم ورأى في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل, ونام في الليلة الثانية ورأى نفس الرؤيا, ونام في الليلة الثالثة ورأى نفس الرؤيا, فأدرك أن الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل لأن رؤيا الأنبياء حق, ولم يسأل إبراهيم عليه السلام عن السبب وراء ذبح ابنه فليس إبراهيم عليه السلام من يسأل ربه عن أوامره.
ذهب سيدنا إبراهيم إلى ولده إسماعيل عليه السلام وقال له: "يا بُني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى", وإنما أعلم ابنه بالأمر بذلك ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرًا ويذبحه وليختبر صبره وجلده وعزمه من صغره على طاعة الله تعالى وأبيه، وهنا أطاع الابن أباه ولم يرفض سيدنا إسماعيل وقال لأبيه: افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده "إن شاء الله من الصابرين"،إنه الصبر على أي حال، وعلى كل حال، فالأب إبراهيم والابن إسماعيل عليهما السلام يتنافسان في حب الله تعالى وطاعة أوامره عن رضا وقناعة وصبر وإيمان،"فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ".
وجاء سيدنا إبراهيم بالسكين وسمى وكبر وتشهد سيدنا إسماعيل للموت فجاء الفرج من الرحمن الرحيم وناداه ملك من السماء بأن انتهى الاختبار وأن الله تعالى فدى إسماعيل عليه السلام بذبح عظيم, ونال إبراهيم منزلة الخلة لله سبحانه وتعالى يقول الله تعالى: "وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إبراهيمقَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم", وصار هذا اليوم عيدا لسنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام, وليتذكر المؤمنون أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتقديمهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كان ذلك كله هو سبب الفداء ورفع البلاء، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل فيكون هذا العيد المبارك لنا عبرة، وفرصة لنعلم أولادنا طاعة الآباء وأن يسمعوا نصيحتهم ويتمسكوا بتعاليم ديننا الحنيف خاصة وسط ما يتعرضون له من محاولات للقضاء على هويتهم وتغيير عاداتهم.
ساحة النقاش