بقلم : ابراهيم شارود
عاش أطفال كليوباترا الأربعة من بعد أمهم وقد صار ابنها الأكبر قيصريون نظريًا الملك الأوحد لمصر إلا أن ابن قيصر شكل خطرًا داهمًا للرومانين وقد قُبض عليه وهو يهرب من مصر وأعدمه أوكتافيان، أما بقية الأطفال فقد أُخذوا إلى روما حيث عرضوا في البداية في استعراض عام مشين ثم أُعطوا لأوكتافيا زوجة مارك أنتوني الرابعة كي تربيهم، وفي عام 20 قبل الميلاد تزوجت كليوباترا سيلين من أمير نوميديان جوبا الثاني وأنجبت منه ابنًا يُدعى بطليموس قبل أن تموت بشكلٍ طبيعي في غموض نسبي، أما أشقاؤها ألكسندر وبطليموس وفيلاديلفوس فقد أُرسلوا للعيش بعيدًأ عن طريق الأذى مع أختهم المتزوجة، وفي موريطنية حققوا ما لم يقدر عليه أي فرد من أسرتهم بعيدًا تمامًا عن الأضواء السياسية، أما الأمير الصغير بطليموس فلم يكن محظوظًا للغاية فبعد أن ورث عرش أبيه أُعدم على يد الإمبراطور الروماني كاليجولا في عام 40 بعد الميلاد.
تقول الإشاعات عن كليوباترا أنها كتبت كتابًا عن أسرارها للجمال كي تنقله للنساء الأخريات، ولكن ماذا كان يبدو شكلها بالفعل؟ ينقسم المؤلفون الكلاسيكيون حول ذلك فيقيمها بلوتارخ على أنها أزيد قليلًا من المتوسط الجيد، أما كاسيوس ديو فعلى النقيض من ذلك يقيمها على أنها أجمال نساء العالم، فقد كان في النظر والاستماع إليها وهج وبريق.
وقد كان للكثير من مؤرخي الفن ميل لتمييز أي امرأة تحمل ثعبانًا على أنها تمثل كليوباترا السابعة، وإذا تجاهلنا تلك التمييزات المريبة سنجد مفاجأة أنه ليس لدينا إلا صور قليلة لآخر ملكة وقد تنقسم لوحاتها التي عاشت لقسمين الصور ذات النمط المصري المحفوظة في تماثيل وحوائط معبد بدندرة مرسومة بشكل تقليدي كأي ملكة غامضة لمصر طويلة ونحيلة وترتدي شعرًا مستعارًا وترتدي أفضل أنواع الكتان والريشتين وقرص شمس وقرون بقرة ورأس أفعى الذي تُزين به أي ملكة فرعونية تقليديةومثل تلك الصور لا تكشف إلا القليل عن كليوباترا الحقيقية خلافًا عن أمنيتها أن تصبح الأم الإلهة إيزيس.
أما نمط التصوير غير المصري لكليوباترا فهو مختلف تمامًا،ورغم أننا لن نقع في فخ افتراض أن كل التصويرات كانت حقيقية ومطابقة للواقع إلا أنها تبدو أكثر واقعية للعين المعاصرة، فهنا تظهر كليوباترا بالفستان وتصفيفة الشعر والإكليل والتضفير على شكل الكعكة وبشكلٍ كلاسيكي وقور ويظهر سك العملة امرأة ذات أنف وذقن غير مثيرين وتماثيل الرخام السليمة من روما تظهر نفس الملامح مع تخفيف بسيط، ورغم أن الملكة مرة أخرى ليست ذات جمال أخاذ بأي حالٍ من الأحوال فهي تظهر على أنها عاقدة العزم بدلًا من الإغواء ربما إذن كانت كليوباترا تعتمد على سحر صوتها يقول المؤرخ بلوتارخ والذي كان أقل من عجب بمظهر الملكة أنه كان مندهشًا بقدراتها اللغوية، كان من دواعي السرور الاستماع لصوتها والذي استطاعت به كأي أداة موسيقية ذات أوتار أن تنتقل من لغة لأخرى حتى أنها لجأت لمترجم مرات قليلة أثناء حديثها مع الأمم البربرية.
كتبت كليوباترا أسطورتها بنفسها اقتداءً بما قامت به كليوباترا الثالثة من استغلال معتقد الأم الإلهة إيزيس لتقوية حكمها كإلهة حية.
كانت تلك اللاهوتية مقبولة في مصر حيث ارتبطت الأسرة الحاكمة دومًا بالآلهة وحيث كان يُستبعد الأناس العاديين بشكلٍ فعال من عبادة آلهة الدولة، فإذا أرادت كليوباترا أن تعلن عن نفسها كإلهة حية "إيزيس الجديدة" (لقب اختارته بنفسها كي تميز نفسها عن سابقتها كليوباترا الثالثة) لم يكن ليهتم أو ليعرف إلا القليل من المصريين، أما في روما حيث كان معتقد إيزيس يؤخذ بمنتهى الجديةوكانت المعابد مفتوحة للجميع، كان دور كليوباترا كوسيطة بين الإلهة وشعبها ببساطة غير مقبول بالمرة، فوجدت الملكة نفسها في وضع محير بين أن تصبح نصف أو حتى إلهة كاملة في بلدها وأن تكون مجرد بشر في روما.
لم يكن جمالها كما يُقال لنا بالصارخ الذي تذهل له العقول عند رؤيته إلا أن سحر وجودها كان لا يمكن مقاومته.
كانت كليوباترا السابعة امرأة ذكية حاكمة هلنستية كفؤة وأم كرست حياتها لأبنائها الأربعة، اليوم الكثير من ذلك قد نُسي بسبب ظهورها المتكرر على اللوح الزيتية وعلى المسارح والشاشات وصارت كليوباترا مشهورة بأنها النموذج الأكيد للمرأة التي لا تُقاوم والتي سمح لها جمالها الذي لا يُنافس وحسها المغري بأن تذيب قلوب اثنين من أعظم رجال روما، وفي هوليود ظهرت شخصية الملكة كليوباترا في السينما لأول مرة حينما قامت الممثلة الأمريكية البريطانية إليزابيث تايلور بتجسيد دورها في فيلم يحكي قصة حياتها عام 1963.
في العالم العربي قامت الممثلة السورية سلاف فواخرجي بتجسيد دور الملكة كليوباترا في مسلسل من إخراج زوجها وائل رمضان في مسلسل يحكي قصة حياتها عام 2010
ساحة النقاش