<!-- <!--

<!--

وصلت سيارة العروس المزينة بالشرائط الملونة وبالزهور الجميلة، وصلت الى باب الكنيسة التى تلألأت بالأضواء الباهرة واحتشدت بالمدعوين، وتلاها بعدئذ عشرات السيارات التى تحمل أقارب العروسين وأصدقاءهما المقربين، وانطلقت الزغاريد فى جميع الأنحاء، ثم تقدم العروسان محاطين بالأطفال الصغار بملابسهم البيضاء ووجوههم الملائكية وهم يحملون الشموع الموقدة حتى وصلا الى هيكل الكنيسة....

بدأت بعدئذ إجراءات الزواج المعتادة فى تلك الأحوال، وعندما سئلت العروس أخيرا إن كانت تقبل هذا الرجل زوجا لها، فوجئ الحاضرون برد العروس: «كلا - كلا - كلا» وأصيب الجميع بالوجوم وساد الهرج والمرج خصوصا بعد أن تركت المكان وهرعت الى الخارج وهى تجرى، حاول والدها وبعض أقاربها اللحاق بها وإقناعها بالعودة دون جدوى.

غادر بعض المدعوين الأسف والدهشة، وظل العريس وأقاربه متسمرين فى مكانهم يضربون كفا على كف من هول الصدمة وكل منهم يحاول تفسير ما حدث كما يحلو له واقترب احدهم من العريس الذى كان منهارا تماما وسأله:

ترى لعل أهلها أجبروها على الزواج منك ؟

أجاب وهو فى شدة الانفعال: لا أعلم لماذا فعلت بى ذلك ووضعتنى فى موقف مخجل وسط الجميع - سألت نفسى ؟ هل وشى بى أحد وقال لها اننى أخونها مع أخرى مما أفقدها الثقة بى أجبت أننى لم أفعل ذلك إطلاقاً بل إنى عازف عن الارتباط بأى صداقة من أى نوع مفضلا الانعزال عن المجتمع نساؤه ورجاله مكتفيا بوجودى معها وإن كنت إكراماً لها أشاركها الجلسات التى تجمعها بصديقاتها فى النادى أو غيره وأتبادل معهن الحديث فى شتى الموضوعات خصوصا تلك التى تخص المطبخ، لأننى أحب أن أتواجد دائما فيه لأننى أتقن بعض أنواع الأطعمة والحلويات المميزة معتقدا ان هذا أمر يسعدها ويسعد غيرها من النساء، كما كنت أصر على اصطحابها عند شراء ملابسها وأختار لها ما يناسبها فى نظرى خصوصا أننى أجيد الفصال مع الباعة وعندما كنت أدعوها للغداء أو العشاء لم أكن أحملها عبء اختيار نوع الطعام أو الحلوى.. بل كنت أقوم بذلك نيابة عنها، كما اعتمدت على ألا أدفع بقشيشا لمن يقومون بالخدمة توفيرا للنفقات اكتفاء بالعشرة فى المائة خدمة التى تخصم منا لهذا السبب.

قاطعة صديقه قائلا:

كفى - كفى (إذا لقد عرف السبب وبطل العجب)..

انتظار

ترى كم من الوقت مضى وهى تنتظر ؟؟

ساعة ساعتان ، ثلاث... لا بل كأنه عقد من الزمان جلست على مقعدها التقليدى تسترخى بعض الوقت بعد مجهود قضته فى إنجاز مسئولياتها اليومية التى اعتادت القيام بها، رغم ما تعانيه من وهن وضعف نتيجة لأمراض عدة سكنت جسدها وترعرعت فيه.

عقارب الساعة تمر بطيئة متثاقلة وهى مازالت تنتظر نتيجة التحاليل التى أمرها الطبيب بإجرائها.

لحظات يعتريها اليأس أحياناً وأحيانا أخرى يحدوها الأمل، وما بين الأثنين يظل الخوف مستمراً فى قلبها وكل كيانها.. أثناء ذلك تجولت بذاكرتها لسنوات عديدة مضت استعرضت خلالها تاريخ حياتها منذ وعت الحياة.. استرجعت سنوات الطفولة .. صورة رمادية قاتمة، لم تكن سعيدة وهانئة، خصوصا بعد موت رب الأسرة فى سن مبكرة وقيام الوالدة بدروها ودوره معا... فمنذ بلوغها السابعة كانت تمارس بعض أدوار الأم لأخوتها الصغار أثناء وجود الوالدة بعملها كمدرسة أطفال باحدى المدارس... كل أحلام الطفولة عندها كانت مجهضة، لم تكن تجرؤ أن تأمل باقتناء لعبة عروسة أو تشارك الأطفال لعبهم وانطلاقهم وحيويتهم - بل كانت تنتظر بفارغ الصبر انتهاء اليوم الدراسى لتهرع إلى المنزل لتباشر مهامها اليومية... ودخلت بعدئذ مراحل الصبا ولم تكن أقل قسوة من مرحلة الطفولة، فلم تكن تسمع ممن يهمهم أمرها كلمة رقيقة حانية بل إنذارات التحذير والتخويف المبالغ فيه من أشياء قد تحدث أو لا تحدث، هذا غير حرمانهم من الصداقات البريئة لذا كانت تنتظر بفارغ الصبر الانتهاء من دراستها الجامعية حتى تستطيع أن تجد ومتنفنساً لها فى العمل والاندماج فى الحياة الاجتماعية التى افتقدتها كثيراً..

وهكذا قضت حياتها مقيدة بسلسلة لا تنتهى من الانتظار ولأول مرة أدركت أمراً لم يكن يخطر ببالها إطلاقا... أدركت أن الحياة من البداية الى النهاية ما هى الإ حلقات متصلة من الانتظار المستمر لشىء ما يحدث قد يبعث على البهجة أو يثير الأحزان ... هى مثل شجرة ينتظر أن تورق وتزدهر فى الربيع وتأتى بألذ الثمار ثم يجتاحها الخريف فتتساقط أوراقها ورقة تلو الأخرى، ثم يحل الشتاء حيث تسكن الأمراض والالام الاجساد التى أجهدتها الرحلة وتندثر الأحلام والآمال الجميلة.. وها هى الآن ما بين اليأس والرجاء تنتظر نتيجة التحاليل والخوف مازال مستمرا فى كل ذرة من كيانها.

 

 

 

المصدر: سعاد متري انطون - مجلة حواء
  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
22 تصويتات / 958 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2010 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,735,688

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز